Monday, May 30, 2005

تسعينات الرسم العراقي.. مؤيد محسن.. ارصفة ولا جدوى

ـ1ـ اذا كان صحيحا ان الفن يمتص من الوجود الشيئي مصادر ديمومته، فان واحدة من بواعث خلوده احتفاضه بالجوهري الذي يتشكل عبر تداخل المرجعيات.. فرضية كهذه اذ تصح على الرسم الحديث فانها تتماشى مع فنون الانسان الابعد غورا في التاريخ، فمع الاطوار الاولى للحضارة الرافدينية،شاءت الاحوال ان يعثر الانسان على ضالته في الفن كوسيط تمرر من خلاله المراجع، والمفاهيم والاحلام.. الخ وعن طريقه ايضا نستطيع التشبث من خطيئة الواقع، والعمل على اقتراح بدائل تجعل منه اكثر قربا من الحقيقة مع اننا ندرك كلية ان الحقيقة في الفن ان هي الا قبض ريح، مع هذا فهنا سر تواصليته.. وفي الفن يحدث ان يصور الواقع من زوايا لاحصر لها، الامر الذي يجعل من الشكل متخذا اوجه شتى.. فالعصر يقترح اشكاله والانسن لاتسعه دروب النمل، وباي حال ان الفن انما يمارس ازاحة للعياني باثر التصعيدات الحادثة في الابنية الداخلية له على النحو الذي يجعل منه ندا لايجارى.. مؤيد محسن الرسام الذي اطل علينا من اواسط التسعينات وبمعرضه البكر.. قاعة عبلة.. انما وضعنا عند تخوم اشكالية كهذه لكنه -وهذا امر ذو اهمية- فضل ان يكسو خطابه شكلا بصريا على وفق الطراز الواقعي الجديد، والموشي بالفنطازيا، والرمز، والعلاماتيه مع قدر من الحساسية السينمائية هذا الضرب من الرسم يغوينا حقا على الترحيب به لياخذ مكانه في الاتجاهات التي بدت كما لو انها تتجه صوب صياغات متجانسة مابين التجريد وما حوله. ربما يكون هناك من خاض مخاضات مقاربة ذات يوم من مثل-مزاحم الناصري-و-عبد الامير علوان-الاول في خطاباته التي تقف وسطا بين الاعلان والرسم والمقادة بحرفية عالية، غير انها لاتعول على الخيال كثيرا والثاني في مجهوداته الرامية لتكييف البيئة الشعبية لصالح، رسم ذو ملامح كلاسيكية وبين هذا وذاك ياتي معرض-مؤيد محسن-ليزيح عنا نبرة الياس من جراء مجافاة التعددية في المداخل للرسم والواقع على السواء..
ـ2ـ اعترف ان المصادفة وحدها قادتني الى رسومات مؤيد قبل ذلك لم يكن لدي رصيد من الانطباعات حول رسوماته ولا ريب فهي مصادفة سارة، فانت-منفورك-تجد ان اعماله تذكرنا بالرسم ومن اشد مناطقه حساسية، بالطبع ربما تختلف فيما توصل اليه الفنان عبر صياغاته لمشاهده المقترحة وتوليفاته من مصادر عروض الازياء، ومشكلات ربط الاخيلة بالعصر الذي تحيا فيه.. الخ
مع هذا فالفنان قد استجمع روءاه باتجاه وحدة المشاعر بما يجعل ابطاله يرزحون تحت وطئة الاغتراب والانتظارات التي لاتفضي الى شيء، فالارصفة المهجورة، واعمدة الكهرباء المنغرزة في رؤس ابطاله او عشاقه التعساء انما تمثل دوالا على اللاجدوى والخسارات المتتالية، مع هذا فهذه الثيمة غالبا ما تعكر بسب من ان ابطاله ليس لنا الثقة فيما هم حاملون من مواجع، فهم، وكما يبدو من بيئات باذخة هذا ما اربك مصداقية المشاعر، بما يجعلنا لانثق كثيرا بابطاله.. وكان الاجدى بالفنان ان يكيف عالمه الموضوعي ويعكسه بالحساسية التي يراها مناسبة، وارى ان اشتغاله على اعمدة الكهرباء والعمل على انستها انما يمثل ذروة بحوثه، فهي تتغير على وفق الاخيلة المسيرة لها، فتارة تبدو بلا عشاق تخفق قلوبهم تحت مصابيحها وفي اخرى تستحيل رمزا للانتظار المرير وهلم وجراء.. مع هذا فمؤيد يوائم بين المفاهيمية والشكل الجمالي ويحاول ان لايخسر الخاصيتين، غير ان الذي حصل ان احدهما يتراجع فيما يطغى الاخر عليه، والعكس يصح ايضا، وارى انه تمكن من احالة الخطاب البصري، الى ضرب من المشاهدة السينمائية، فهو يمارس دوره كمنتج اول لتفاصيل مشاهده ويسعى الى وضع نظام بصري مؤثر لها، فتارة يصيب وفي اخرى تطيش سهامه، وفي كل الاحوال فان ما فعله مؤيد محسن فيما لو شدد على حضوره في العروض التشكيلية فسوف يمنحنا فرصة مؤكدة لتذكره مستقبلا.
عاصم عبد الامير، جريدة العراق،العدد-5907- 6 كانون الاول 1995

1 comment:

Unknown said...

جلسة انكسار على كرسي من سبار على مقربة من مقام ذي الكفل