Saturday, January 14, 2006

مؤيد محسن.. لوحة الذات الجريحة

عندما عمد الفنان الألماني ماكس أرنست، في بعض أعمالةالاولى الى تغيير الطبيعة الخلقية، بقصيدتة الفنان المبتكر وهو يعيد البنية التشكيلية للمخلوق النباتي، فأنة أراد بذالك أن يكون أمينا للاتجاه السوريالي الجديد، الذي تتجلى فيه افرازات اللا شعور، بإرهاصاتها النفسية، والذي من خلاله يكتسب العمل الفني الغرائبية في تأسيس عناصر التشكيل الفني للرسم. وطبع ما ينبجس من وحدات بصرية من العقل الباطن على قماشة اللوحة، اعتمادا على عنصري التلقائية والحلم في الإنشاء والتكوين. أما الفنان مؤيد محسن فقد أختار ببصريتة النافذة جانبا من هذا الاتجاة مستبصرا لا عقلانية ليوظف قيمة الاستفزاز والغرائبية والتلاعب بالمظهر الفيزيائي للمخلوقات فيعيد صياغتها ويزرعها عنصرا فاعلا من عناصر اللوحة التي يجتهد كثيرا بالتحكم بتشكيل مكونات بنائها بما يخدم رؤية الفنان وقصيدته ويلبس تكوينها الفيزيائي رداءا من النسيج الحجري الذي يحكي موضوعه جريان التيار الزمني أزاء ديمومة الانتظار المشبع بالسكون والشهادة على زمن مضى نضبت فيه الحياة وزمن جديد ولد بولادة اللوحة ودبت فيه حياة العمل الفني ذلك العمل الذي توثقت فيه الرؤية التسجيلية وكان الفنان يقوم بذلك المعادل التشكيلي المضاد لقيمة الانصهار، التي اعتمدتها في الكثير من أعماله في المرحلة السابقة، عندما صنع رموزة من مادة شمعيه لا تقوى على مقاومة القهر الضاغط عبر تيار الزمن في الانتظارالقسري الذي آل إلى حالة من اللاجدوى . وهو بذلك يؤكد اهتمامه بالاشتغال على هامش فعل حركة الزمن، وتداعياته على الذات البشرية وهي ترصد الحدث. وإذ يلجا الفنان مؤيد محسن إلى صيغة الإعادة في الإنشاء التشكيلي للوحة، فانه يخضع أدواته إلى متطلبات بناء اللوحة وتكوينها المعماري، ويوظف ما يمتلكه من حس درامي وعين سينمائية ليظهر العمل بصورته النهائية وقد جمع فيه العناصر التي تؤهله للتميز كعمل خرج من إطار العمل التقليدي، ليقف عند أعتاب التجريب و الاكتشاف، ويقرب من تخوم دائرة الإبداع التي لا تمنح سمة الدخول إلا لمن قفز على التقليد والمحاكاة وأختط له أثرا جديدا يعي شروط العملية الإبداعية الخلاقة. وقد ظل الفنان مؤيد محسن أمينا لهاجس رؤاه المستقرة في خزين ذاكرته من مشاهد وتجارب، خبر ممارساتها، ووعى إرهاصاتها بمرارة وألم وهو يرصد في تزامن واحد غربة الإنسان العراقي في وطنه.. الوطن الذي كان يجلد كل يوم بحبال الحروب والقمع والحرمان. من كل ذلك تبلورت الموضوعة التشخيصية للفنان، ليصبح الإنسان محور أعماله وهاجسه المميز. فترى هذا الإنسان مرة يتبوأ موقع الصدارة في اللوحة، وأخرى نراه ونحس بوجوده من خلال أشياءه التي خلفها بعد الرحيل على الرغم من غياب رمزيته المادية (التشخيصية) في اللوحة. ونجده أحيانا متجليا بسمة الذوبان والانصهار الشمعي. ومن يتفحص أعمال مؤيد محسن وهي تعانق الأفق السماوي تتحد رؤيته مع رؤية الفنان لاستعادة التجربة والاستغراق في أفاق التأمل، حيث تنشط مكونات العقل والعاطفة لتتحول الصورة المرئية في المخيلة بسكناتها واحتداماتها إلى حالة من الحركة الديناميكية، فتنتقل دلالة اللوحة من عصرها الغابر الى الزمن المعاصر عبر رمزيتها المعبرة، لتؤثر على موضوعة إعادة التاريخ لنفسه بصورة ومكونات أخرى، فيكون بذلك لبى رغبته الدفينة في التعبير الأخلاقي، وكشف للمتلقي الدورات المتكررة للجوانب المروعة من السقطات الأخلاقية للانسان. وكأنه بهذا قد اقترب من ملامح الواقعية السحرية، بعد أن شذب اشتراطاتها ولامس أبعادها. وعموما ما يزال محسن ملازما لمفردات الطبية، مأخوذا بسحر أجوائها وفضاءاتها، أمينا على اعتمادها الى جانب الرموز التاريخية والأثرية كخلفيات فاعلة في الجدل التشكيلي الذي تستحثه وتفجره معظم أعماله الفنية التي اصطبغت بمزيج من شتى الأساليب والاتجاهات فهو يتقيد بصرامة شروط وقوالب الواقعية الفوتوغرافية تسعفه مهارته العالية في تحضير وتنفيذ اللوحة وامتلاكه أسرار الصنعة أللونية وهذا فنه في الرسم الأكاديمي كما انه يلازم ويوظف ألرمزيه من خلال السمة السوريالية التي تتسم أعمالة الأخيرة، لتكشف إسقاطات القلق الداخلي المحتدم في ألذات الجريحة. هذا القلق الذي أرق الفنان سنينا طويلة وفجر خطوطا وألوانا الفت المشهد الفني العام للوحة، تلك التي تثير جدلية الحوار مع المتلقي، وهو يحاول أن يسبر أغوار عوالمها التشكيلية في تعاطيها الأشكال والرموز من خلال قصيدة الوعي وعفوية الاوعي. وكما يرسخ الفنان مؤيد محسن هويته الفنية ويجتاز تخوم دائرة الإبداع الأكثر إشراقا. وحتى لا يبقى أسير أسلوبيته التي طبعت أعماله في العشرين سنة الأخيرة، ندعوه إلى الخوض في مجال التجريب و الاكتشاف لثراء مسيرته ألفنيه وليوضح معالم بصماته على خارطة الفن التشكيلي العراقي.
عمارالشلاه، مجلة دجلة، ثقافية اسبوعيةعامة، تصدر عن وزارة الثقافة العراقية–بغداد، العدد 15، تموز

Tuesday, May 31, 2005

سوريالية الابداع في مخلوقات الرسام مؤيد محسن

كلنا نعترف ان: الفن التزام وصراع واخلاص روحي للاثار النفسية والضغوط الحياتية للاحاسيس التي تحفز الفرد، الرسام للانجازات الفنية وبالتاكيد ليست ترفا. لذا فان فضاءات الفنان احتجاج وتدمير ذاتي من خلال التعبير المتمرد على نوايا الحاضر رجوعا لكيان الماضي بكل نواحيه، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عبر الفهم الخلاق، لاخضاع الزمن الى اللازمن، والغاء ازلية الجوهر وتحطيمه بلغة فنية مشحونة بافكار تنير وتستنير محاولة التغيير المستمر لبنى الواقع الرث. حيث يقوم الفنان ب(التهام) الدنيا بعينه ثم يفرزها بيده وبين العين واليد يوجد راس وقلب تجري من خلالهما عملية تمثيل وتحول هذا المفهوم المبسط يتشكل في رؤية الحقائق في صياغة موضوعية وفلسفية جسدها الرسام، مؤيد محسن، في مخلوقاته التي تسعى لايجاد الحقيقة، القصدية والفعلية، وبكل حوافزها، الدافع والغاية، وفعلها الحارق للفكر واذابة الوجود بالوان كالجحيم تتحدث بطريقة فنية عن التطور التاريخي للوجود والعدم مزاوجا بذلك بين الحاضر اليقظ وبين شخير الماضي!.. يؤيد الرسام، مؤيد، في كافة اعماله ان الفن ليس املاء فراغات لبالوان شتى وليس اغراق الواقع ببحور ضبابية وليس اقتباسات فوضوية زائدة في جسد اللوحة، فكل شيء لانفع فيه للصورة ضار بها. والرسام، مؤيد، بانفعالات غامضة وتاثيرات واضحة بالمرئيات يحاول توظيف الدروس الكلاسيكية في اعماله الفنية الناطقة بصمت. مما يشعرنا بلذة غريبة لما في لوحاته من بهاء وتاثير عميق لما فوق الواقع حيث تلتمع سماء اخرى وشيء مقدس، السوبريالية، الانسان في الارتقاء ليقدم متعة فكرية بموسيقى لونية تجسد الروح بسحر موضوعي للشكل والمضمون وبروابط ازلية متفاعلة انسيابيا ومتطورة حضاريا، كي تكون، للمنظور والمسموع والمقروء، رغن النظرة الحيادية التامة للفنان، مؤيد، لذوبان مخلوقاته ومتاهة الارواح الهائمة للانسان والارواح الساكنة للاشياء، وباسلوب تعبيري محكم فنيا يحافظ بذلك على التاثير المقدس للاساتذة الكبار.. حيث نرى رعبا فنيا في اللغة المذكورة ضوئيا ولونيا وما لها من حركة طاغية على البصر تمثل هذه الانفعالات في اللوحة قلب وراس الرسام، مؤيد، الذي يرفض التفكير العقلاني في الفن وهو يمنح فرصة غريبة للاوعي لكي يبرمج شخوصه التي يعتبرها مصدرا للالهام وما لها من صلة بالواقع الاني او بالعدم التاريخي ومدى علاقة الذات بالاخرين والمتفجرة دائما برمز مشوش مع الكائنات وحتى الاشياء المرتبطة بسلك واه، في زمن متناقض وفي واقع متخم بالاحباط، ومايحمله من تشنجات وتقلبات سايكلوجية حادة يعيشها الانسان الفنان المرهف الاحساس بقسوة جارحة لكل المشاعر حيث تعشعش في عقله العتمة والخوف من المستقبل وكان الساعة الزمنية الواحدة من عمره في نبضاتها كل الفصول من هنا تعبث لوحة الرسام، مؤيد، بشرايين العقل وتوخز قحف الجمجمة بشكل الانسان اللامالوف وباشارات منظمة تجبره، فنتازيا، على العيش بتالف في الرقعة الجغرافية للعمل الفني. ان انسنة افكار الرسام، مؤيد، وربطها تاريخيا باشارات تدمج معيشة الانسان مع التطور التكنلوجي لاتحميه من التمزقات وهي تبرز ما في عقله من قلق وتازم في الادارة، حيث اشعر ان شخوص لوحات-مؤيد انطوائية تحاول التمسك بما وراء العقل هروبا من الواقع البشع وهي تستعذب الالم وتذوب بفرح للبحث عن الذات الخائفة من المجهول والمنسلخة باضطراب عن الواقع حيث يشعر المشاهد انها تثير حواسه برهبة وقلق مشروع بما يخيل لنا ان اشخاص، مؤيد، تحدق فينا باستهزاء وتقول لنا: انكم جميعا سوف تنصهرون مثلي.. وقد تحدث الرسام، مؤيد، عن هكذا اشخاص يمثلون اشكالا لتاريخ كان او لزمن ات وهو يصرح بصدق واخلاص فني واضح،، ان تاثير الاخلاص في الاعمال الفنية هو ان يحولها الى نوع من التحدي،، هذا ما تحدث به الموجه الاول للانطباعيين الرسان الفرنسي، ادور مانيه 1832- 1883، ومانراه في الاعمال الفنية للرسام، مؤيد، التي يخطا من يقول انها واقعية. ان الفن الصادق هو الذي يحطم العلاقة بين الماضي والحاضر بغضب ثوري، وهكذا نرى الاحداثيات المخيفة الرهيبة للانهيارات الشمعية ليس للجسد فقط وانما للتاريخ الخطا ككل. الرسام، مؤيد، يريد منا بخطابه الفني اعادة النظر في شكل الماضي وبافعال هدامةخلاقة في ان واحد، مؤكدا ان الابداع يجئ من المستقبل بقياسات جمالية حافزها جمال الماضي اخذا بالاعتبار اننا لانستطيع ان ننمو دون الاحساس بالجذور على ان نكون مسلحين بافق ثقافي خال من الترهل التراثي حيث يحاول كشف المستتر من التاريخ واستخلاص الاحكام الفنية بشكل يقظ وجرئ وقدم مخلوقاته الفنية المعقدة باختلاف الاراء والمفاهيم، ليلفت النظر بطريقة اقرب لحقيقة الخيال، تحمل في ثناياها تفسيرات مرعبة وهي تترجم بحرية ما في الزجاج الاسود، العقل، من مهارات خلاقة لصنع عالم فني منظور يتحدث عن انبلاج الوجود وايقاظه بطرق جمالية تندرج ضمن التوتر الفكري للفنان الاصيل، مؤيد محسن، المؤكد تناقضه مع الوجود والتي يعتبرها تفوقا استاتيكيا ولذة جمالية تصور نسبيا ما موجود من حقائق لاانسانية على ارض مملوءة بالحصى واراء قابلة لاشتعال التاويل وهي، ثيمة، تشاهدها في كل اعمال الرسام الرائع، مؤيد محسن، لما له من مهارة في كشف اسرار الابداع الفني المكتنز بالاحساس والمزدان بحركة مرهفة، للضوء والظل، والدقة البنائية المجسمة ببراعة الالوان وتناغمها في الانجاز الفني وبذلك يؤكد انه تلميذ مخلص جدا، للاكاديمية المحصنة.
حبيب مهدي العباس، جريدة الصباح، العدد: 324، الصفحة الثامنة، الثلاثاء 16 جمادي الاخرة 1425، 3 اب 2004

الفنان مؤيد محسن مليء بالحزن وعتمة الاساطير والحكايات

وراء كل لوحة الم وحزن يخترقان فضاءات المكان والزمان..وترى هاتان المفردتان عالقتان في الذاكرة فلا حدود لهما. والخراب يمس عوالم الحياة التي تنطق بها لوحاته التي تشع برغم تلافيف الدراماتيكية والبويهيمية الوانا مشرقة توحي بالنظارة والتجديد.. الفنان مؤيد محسن يختزن وجوده بين تراكمات الاساطير وعتمة الدهاليز والانتظار واللامحدود، لازمان قد يمر وياتي وقد لاتكون سوى احلام على قارعة الفكر والوجدان.. اعتمد الفنان على مجموعة مدارس وتيارات جعلته متيقظا ودؤوبا ومنتظرا لهواجس دخيلة على روحه الشفافة التي تحاول الوقوف في مواجهة القدر والزمن ولكن دون جدوى.. خيالاته واحلامه تفوق التصور وجماليات التحديث والرؤيا اخذت طابعا سرياليا وتعبيريا وحتى واقعيا، اما الاسطورة والاثر العراقي فهما ياخذان المكان في العقل.. ووجد ان هذا الفنان الملتزم بالسريالية والواقعية معا، لوحاته تثير الحزن والتفكير عند المتلفي اما حيثيات الشجون فهو يحاول التملص منها لكنها قابعة رغم تغير الازمنة. اما الخطوات الحمراء فهي تقف امام الذاكرة لتعلن للزمن عله يعود الى يقظته.. وانين يعاوده لكرات عديدة.. وقد تكون اسقاطات رحبة، حياة وموت والم وحكايات الا انها بالتالي لوحات حزينة رغم المسات اللونية التي تكسو جوانب اللوحة.. ويبدو ان الفنان يمازج بافكاره بين النحت والرسم بين رموز شاخصة كالاحجار والاصنام وبين سريالية سلفادور دالي ذات المتاهات الواسعة وبين واقعية تؤكد حضورها.. ارى انها مدارس عديدة في مكان وزمان واحد.. يقول الفنان مؤيدج محسن: احدهما يكمل الاخر.. هذا العرض بين الابعاد الزمانية والمكانية جعلهما متماثلان ومتكافئان وربما دراستنا الاكاديمية والتجريبية جعلتنا نلم ونعرف باكثر الاصول والتيارات والمدارس الفنية.. لكننا يجب ان نخرج بمدرسة عراقية بطبيعة جذورها واصولها.. نخرج بمدرسة عراقية مليئة بالمثابرة.. لانبدا من حيث ينتهي الاخرين بتجاربهم سيما نها تجارب تكاد تكون اوربية.. يجب ان يقال عن تجاربنا انها عراقية ذات جذور وموروث كبير كما ان الفنان العراقي هو مشتغل ذكي.. ولكن للاسف الشديد ان بعض الفنانين بداو من ذيول الفن الاوربي.
*تعاني لوحاتك من غربة وارتقاء للمطلق فهل هي شجون لانهاية لها؟
-هي شجون بواقعية عراقية تكاد تحبو نحو الكلاسيكية وظفتها لتكون الما في عصر ازدهار السفلة والخراب.. *انت دائما تتحدث عن مدينة الايمان، فلماذا هي بعيدة؟
-بعيدة عن الخراب متجلية في مسافاتها.. لااريد ان تكون في متناول المارقين والعابثين.. نريدها ترتقي كما ارتقى السومريين.. والمشهد الخطابي يعني التوثيق الحقيقي للبيئة والفعل الحياتي وانا هنا احرص جدا على تصوير الحقيقة.. ودائما هناك حدث وحكاية، اسطورة، رسمتها في مكان في لوحة لتكون تاريخا اخر يتحدث! *خصيلتك ورموزك تحاول اللجؤ الى حوار؟
-نعم هي بحاجة الى حوار فالصمت يكملها.. وهي من احجار كما اراها في طرقاتي.. اسماء تريد الحديث رغما عنا..
* تمنح المشاهد قسمة من الفضاء تشركه معك في خطاباتك الفكرية والوجدانية لتاخذه في جولة خاصة؟ -الفضاءات دلالات لها زمن وفكر فقد يتحول الفضاء الى نقاء روحي حقيقي وقد يتحول الى كابوس وربما يتحول في اكثر الاحيان الى سجن كبير وقد يعالج حقيقة المتلقي بتاثره بالمفردة.. كما ان المفردة داخل المشهد ومن خلال الفضاء تساعد على استيعاب الدالة بشكل موضوعي وغير مشتت.. انها تمثل متاهات كبيرة هي متاهاتي الخاصة والتي لااطرحها الا بدافع انساني.. وهي حصيلة حياتنا في وادي الرافدين فقد ابتلينا باحداث هدمت حياتنا جميعا.. ذوبان وانصهار العروش واحلام المستضعفين.. انه الم متزاحم.. ان شنعار ارضي وارض الاسلاف دائما مغطاة بالدم والمطر الاسود ومليئة بعشاق لم يجدوا السكينة ونساء ينتظرن الاحباء منذ خمسة الاف سنة.. هذا هو مؤيد محسن مليء بالحزن وعتمة الاساطير والحكايات لايتكلم بل لوحاته وشخصياته الصماء هي التي تحاورنا وتحدثنا عن همومه وشجونه عبر تواريخ وازمان متباينة.
لمياء نعمان، جريدة الراية العراقية، تصدر عن وزارة حقوق الانسان، العدد 7، السنة الاولى، الخميس 4-2-2004

مؤيد محسن: يرسم افضل من الكاميرا مرتين.. البابلي الذي ادرك حدس اشور

هذا الفتى البابلي يثيرني ابدا..فمنذ عرفته، والف علامة سؤال تطن في راسي، مثل ذبابة لجوج.. لماذا يقدم على كسر مانراه ايقونا، قابلا لان يخلد.. هل هو مثل (اندريه بريتون) يسعى الى تهشيم كل امثولة، نابذا فيها امجاد الاسلاف، وماثر الاخلاف؟ هل يريد تمجيد فضائل اللاعقلانية، مدونا كل شيء اثناء نزهة العقل؟ هل هو سليل الدادائية التي ولت دون تعميد، وشيعت الى مثواها دون تابين؟ لكنه يمقت دالي، ويلعن السوريالية والسرياليين ويسب، دوشامب في وضح النهار وينفي ان تكون له صلة بالدادائية من قريب او بعيد وهو يفر من الكلاسيكية التي اسسها (انجلو ودوناتيلو، وليوناردو، ورفائيل) ويضيق ذرعا بتبجيلها للمثال، ولايعير للنسب الذهبية عينا صاغية! لماذا -اذن- تسيل اشياءه الباذخة وتتحول كائناته الادمية وتكويناته البشرية الى طين بلا روح وتماثيل بلا حركة؟ كان على رؤوسها طيور الماء؟ لماذا يقف الثور المجنح بهذه الفخامة القسرية التي تلزم الزائر الداخل الى خرسباد ان يقر بسطوتها على حوض الدنيا، الذي يمتد من عيلام الى شرق النيل؟ اسد بابل ذو السطوة الماحقة يربض منذ فجر الابدية وشروق الابجدية وعدوه تحت جثته الضخمة ميت بلا حراك متسلم لمصيره المحتوم.. حجر السيتانيت الصلد، والكرانيت العتيد، جعلهما هذا الحلي الذي يرسم رؤاه، جعلهما غير المحكومة بمنطق او نظام جعلهما يسيلان كانما سلطت عليهما شهب جهنمية فلم يذوبا تماما، وانما اوقعت باجسادهما خروقا زلزالية لكن التماسك ورباطة الجاش الحجرية ظلت تشعرك برعدة تسري في اوصالك هذا الفتى الذي لاينام لافي ليل ولا قيلولة يرسم احلام يقظته المهيمنة..
هل هي كوابيس ام هواجس فنتازية.. احشاء الغيوم كانها قطن مندوف تتكوى وتندفع كان الريح هي التي تلقنها بالهزيمة الافق البعيدة يوميء ان النمرود غير قادر على ان يبلغ حافة السماء الدنيا انه دائما يتلقى تلك الصاعقة التي تماثل تلك النجوم التي اعدت من السماء الوسطى لرجم الشيطان.. النهايات الشاهقة تحمل تلك القباب المخروطية ذات المقرنصات التي لاتراها الا في معبد الشمس في الكفل.. سكة قطار تفضي الى المجهول وكرسي منكفيء دائما وحجارة..
قلت لمؤيد (مواليد 1964) لماذا الاشياء عندك دائما ذائبة؟!! سالته والحرب تدق الابواب وكل الفضائيات تؤكد ان هذه الحرب (لايمكن تفاديها). في شارع السعدون حيث تتحاشد المطابع التي تنفث رائحة الحبر والحرب التي تفوح من الازقة وصدور الصفحات الاولى هناك عند مفترق طرق في البتاوين حيث يباع العرق المعتق على قارعة الطريق تحدث لي مؤيد محسن بلسان طفل على حافة الخدمة الالزامية (.. كان العريف يعاقبني كلما اشتهى ان يشعر بالسطوة في غياب الضابط، ذي النجمة الواحدة، بان اقف في حالة استعداد وانا اقرع حليق حاسر الراس الى درجة الصفر منزوع النطاق، كنت احس ان هامتي تنصهر في اب، اغسطس، يسيل كل شيء وهو هازيء متبطر في ظل سمين تذوب البنايات ويتقازم النخل وتنهار قامات التماثيل وتضمحل في خاطري المثل العليا. يغيب عن ذهني الامر الذي امرني ان ارسم صورته ببزته العسكرية وقد رقي الى رتبة اعلى. في معركة لم يشترك فيها ولم يشتبك فيها مع احد كلما اغمضت عيني اجد لعاب التاريخ يسل يذوب الثور المجنح، ويذوي اسد بابل وتتهشم قيثارة اور ويسقط العريف في وحل الظهيرة.. وابقى انا محكوما علي بالوقوف في حالة استعداد.. ربما اخطات القنابل مؤيد ربما هو حي يرزق يتلذذ بحياة ثانية كتبت له وقضت على من يحبهم بالموت.. ربما يرسم الان من جديد.. تلك الصور التي احللها وافككها واعيد تركيبها على هواي وهو يصدر في الحلة والزمان في لندن. محاولا ان يرمم تلك الاثار التي هشمها سعيدا، لاه، غير عابيء بمقاضاة التاريخ لاجله. قلت لمؤيد: الذي اعتقد انه مايزال حيا على الرغم من كرهه، للحرب والعريف ورئيس عرفاء الوحدة وضابط التجنيد الذي ساقه واقرانه الى لبس الخاكي وقال له الى الوراء در..!
مؤيد: ماذا لو وقعت قنبلة ذكية على المتحف العراقي او سطت عليه عصابة عصية حتى على الانتربول؟!.. قال قبل ان تخطفه سيارة الكيا الذاهبة في الظلام الى الحلة.. ساشرب سما.. واموت هل يملك مؤيد.. حدس اشور؟!!
مجيد السامرائي، جريدة الزمان، العدد-1519، السنة السادسة، الاحد 1 ربيع الثاني 1424، 1 حزيران (يوليو) 2003

مؤيد محسن: اطياف التامل

استوقفتني لوحات الفنان مؤيد محسن كثيرا وحفزتني على التامل والتفكير في مهارة هذا الفنان في استخدام الفرشاة واختيار الالوان والموضوعات، وكذلك استخراج المعاني العالية ذات الحساسية الموحية للجدل والعميقة الجذور في الماضي دون نسيات الحاضر واستشفاف المستقبل..
و مؤيد محسن فنان نابه ذو جذور عميقة في التاريخ، ويحاول ايجاد المعادل الموضوعي في الربط بين الموروث القديم واستنطاق الواقع المعاصر مع الوخز في الذاكرة الحساسة لايقاظ جدل في واقع المستقبل القادم.. ومؤيد في كل هذا فنان واع لما يفعل وما يرمي اليه من رموز والوان، فتشكل لديه اللوحة قيمة ابداعية عالية ذات ايقاع مؤثر في النفس بارتقائه الى القمم.. ذلك نابع في اعتقادي من تشبع الفنان بالثقافة الوطنية المحلية القديمة والمعاصرة، هذا اذا علمنا ان (مؤيد) من مواليد الحلة (1964) حيث الرموز السومرية والاثار البابلية بارزة في لوحاته وتكاد تكون سمة مميزة له في هذا المزج او الخلط.. وكل هذا يدل على قدرة ابداعية وموهبة فريدة يمتاز بها هذا الفنان.. وفي الابداع يقول الكاتب عبد الرحمن منيف (فالابداع منذ ان بدا، ويفترض الى الان، يقع بين الطفولة والنبوة، لان دافعه بالدرجة الاولى الصدق والخيال، ولذلك لايحسب حسابا كبيرا للمواصفات والرتب والثروة والثورة، لانه مشاكس، يقول الاشياء بطريقة الاطفال وباعتقاد الانبياء، دون ان يهتم كثيرا بالنتائج.. يعيش على اطراف الحلم في استشرافه المستقبل معتبرا ان الذي لايتحقق ناتج عن ضعف الارادة اكثر مما هو بسب الامكانية كما ان مايحركه الجمال وروح العدالة والا فالعالم يكون شديد القسوة والقتامة ويفتقر الى العدالة والمنطق وبالتالي لايمكن ان يستمر اذا ظل هكذا).. ويقول منيف ايضا: (الفن المبدع لايصل حالة الانفجار الكبرى فجاة لانه يعيش حالة الانفجار في كل لحظة وتوقفه يعني غيابه عن افق المستقبل.. وهكذا يكون الابداع رحلة اكتشاف دائمة وبحثا مستمرا وايضا طريقة في فهم العالم ثم اعادة التوازن له من خلال التقد وطرح الاسئلة).. والان نبدا ونسال هل كان مؤيد محسن يعاني طفولة قاسية؟ فمن ذا الذي قتل براءته؟ طفولة الاشياء ونقد الحياة.. وتهشيم الجسم والحب وكثير من الالوان الحلوة الجميلة.. ومؤيد يجسد كل ما هو مالوف وغير مالوف في سمفونية موسيقية تتجه بانفعال نحو مسيرة تكاملية لاتنقصها الجراءة وتوضيح الحقائق الناصعة بريشة فنان يمتلك كل ادوات الحرفة بمهارة ويمضي غير ابه لما يجول في خاطرك او لايجول.. يحلو لك ام لا، انه يتحدى الزمن الماضي في صورة جرة سومرية مثقوبة وعلاقة حب يشوبها الجمود وتنقصها الروح.. ويشوبها النفاق وعدم التكامل في مسيرة حياتية طويلة عبر الازمان فكان يجدر ان يكون التوازن هو النموذج الامثل ولكن وسط الاجواء المليئة بالتناقض فهناك كرسي الرئاسة ملطخ بالدماء وتسيل من جوانبه ذلك ان السلطة كانت دائما محاطة بالصراع وفرض ارادة القوة محل العقل والمنطق..
ان مؤيد محسن فنان ذكي مشحون بالافكار وتسكنه هواجس وكوابيس الزمن وتعقيداته ومحمل بالتراث ومساحاته العريضة، ويرفض حبس افكاره في اطار من التحديدات المعيقة نحو الانطلاق في الحاضر بجميع مدلولاته المحبطة للامال دون نسيان ارادة التجاوز والتحليق في فضاءات تشجع تغذية السير نحو المستقبل وكاءن في داخل مؤيد مقولة همنغواي تنطلق وتذكره (قد يتحطم الانسان ولكنه لايقهر)..
احمد لفته علي، جريدة التاخي، العدد-4042، الخميس 31 تموز 2003

التشكيلي مؤيد محسن: عمري خمسة الاف سنة ويزيد

الرحلة داخل فنان تشكيلي هي في الحقيقة رحلة في اعماق الحضارة العراقية حيث النشاة وبزوغ فجر المعرفة الانساتية، المعرفة التي خصها الله سبحانه ويعالى شعب هذه الارض من بين الشعوب الاخرى، والتي ظلت تنمو وتكبر وتتجدد عبر العصور والعصور حتى انتشى ابن الرافدين بزهو المدنية المبكرة واصبح رائد اشعاعها.. فان عمري وعمرك واعمارنا جميعا، تمتد بطول سنينها وعمق ثرائها المعرفي الى الحقب الغنية الاولى وتجد حين يشعل احدهم شرارة الاختبار فيك كيف تنفجر له الينابيع الوانا من خزين العقل والذاكرة..
رسومات التشكيلي الخلاق، مؤيد محسن، غبر في اسوار الحضارة والمعاصرة، تحمل في خصوصيتها نكهة ارض العراق الطيبة المعطاء.. مؤيد محسن.. فنان تشكيلي عراقي (عالمي) واعتقد ان هذه النماذج القليلة من لوحاته تبصم على ذلك وتشهد.. مع ذلك شعرت بان هذا الفنان لم ينل نصيبا من الاهتمام الاعلامي كما يستحقه وفنه.. ومن هتا قررت ان يكون هذا الحوار بمنزلة (رحلة توثيقية) لمسيرته التي بدات مع الطفولة والصبا ومازالت تكبر بمرور الوقت..
قلت له: لنعد الى البدايات الفطرية، فماذا تتذكر منها؟
-في الطفولة كان يثيرني موضوع اللون والشكل بطريقة لم اكن ادرك مكنوناتها بعلمية، المواد الموجودة في الطبيعة، الحجارة، اللون، السماء، الملمس الموجود في الحياة كان يخترقني بقوة. كنت بعمر (6) سنوات تقريبا، كان هناك سؤال يكبر في داخلي.. الزمن وضوء الشمس اين يختفيان؟ ولماذا ياتي الظلام ويختفي العالم فيه؟ هذا التشكيل الذي يتكون في السماء من اين ياتي؟ والالوان التي تتشكل عند المغيب..؟ هذه الاسئلة وغيرها قادتني، بفطرية،للبحث والتفكير عن الضوء والظل والاشكال والالوان..
وكيف كانت الاستجابة؟
-ان اترجم هذه الاشياء الى ثوابت على الورق من دون ان ادرك الموازنة، بدات عملية البحث في اللون والخامات المتيسرة ووسائل التلوين وبالتواصل قادني الى ان اخلق مع نفسي موازنة غير مقصودة بين الاشكال والالوان والسطوح بتاثير موجودات البيئة).. حين ذاك كنت استمع الى قصص وحكايات عن الكبار من التراث الشعبي، حاولت وانا في ذلك السن ان اعبر عن هذه الحكايات باللون والشكل كما تعلمتها من البيئة المتواضعة.. هذا الاصرار الفطري عن ماذا افرزفي مرحلتها؟
-افرزت عن مواهب طفل يكبر مع السنين، بدات اشارك بجراة في معارض عن طريق وزارة الشباب، حين ذاك، واذكر اول مشاركة لي في احتفال الشبيبة العالمي الذي اقيم في لايبزك عام 1978 بعدها دخلت معهد الفنون الجميلة فرع الرسم..
اذن بدات نقطة التحول الاولى في حياتك الفنية؟
-نعم، والى حد الان اعد (المعهد) عائلتي الفنية، المعهد علمنا، اخلاق الفن قبل الفن نفسه وعلمنا الاخلاص في العمل، كنا شغوفين في البحث، اضافة الى ذلك ان اجواء المعهد كانت تدفعنا الى الدراسة والبحث ومن ثم تحقيق النتائج الطيبة..
المدركات الجديدة ماذا احدثت من تغييرات على المستوى الفكري والمعرفي؟
-ادركت وانا ادرس تاريخ الفن ومع تزايد المعلومات انني انتمي الى مدينة رائعة حقا وهي بابل وكما سميتها انا (الحلة حاضرة المدن) حينها ادركت ان عمري (5) الاف سنة ويزيد.. هذا الشعور حقق لي اطمئنانا داخليا بانني لااخلو من جذور تاريخية فنيا ومن هنا بدات بتقديم اعمال فنية تحمل هوية الانتماء للمكان، وهو امر ضروري للوحة الفنية، من خلال استعادتي للموروث الذي خلفه الاجداد والذي ملا متاحف العالم.. وهذا ما يدفعني ايضا الى الاحساس بالفخر عندما اقف امام اي فنان اجنبي ياتي الى العراق واخبره بان عمري (5) الاف سنة، فيشعر بهيبة كبيرة وخجل.. ويضيف مؤيد: الامر الثاني، انني في سنين الدراسة وانا زميل المسرحيين والسينمائيين كان لزاما علي قراءة النص المسرحي حتى اصمم له (الديكور)وهذا ما زاد من اطلاعي على انواع المعرفة الفكرية دتخل النص المسرحي وبالتالي دفعني الى البحث عن عملية تحويل الدلالة الفكرية في النص الى عينة بصرية ملموسة تمتلك دلالاتها على المسرح، وهكذا تحصنت لدي فكرة الموضوع داخل اللوحة.. وان اؤمن بحكمة (ان اللوحة الجميلة الخالية من الموضوع-كما امراة حسناء لكنها مجنونة او خالية من الفكر)..ويستطرد الفنان: نعم الجمال المحض هو حصيلة دراسية تتمتع باحساس عال، لكن العمل الفني لابد ان يحدث تاثيرا في المتلقي يشعره (بالتطهير)، كما هو شان العمل المسرحي والسينمائي..
ذكرت التطهير عبر اللوحة الفنية، هي حالة شائعة في الدراما.. فكيف يمكن للوحة ان تحدث التاثير نفسه عند المتلقي؟
-اللون يقود المتلقي الى اللوحة ثم يرتقي به الى الاحساس والانسجام مع الاعمال الموجودة داخل العمل الفني، والالوان تقوده الى الشكل والدلالة الفكرية، فيبدا الحوار الداخلي مع نفسه او مع الناقد من خلال حوار تتم عملية ايصال داخل اللوحة، اي ان الحوار يعمل على تقصي الحقائق العادلة فيتحلى بها اذا كان راجح الفكر.. ماهو صدى وتاثير لوحاتك الفنية في الاخرين؟
-لااغالي اذا قلت، ان المتلقي شغوف دائما الى ان يرى اعمالي ويكرر سؤاله عن الجديد.. وهذا الامر يعود الى المشاركات المستمرة، ليس في العراق فحسب بل في معارض عديدة خارج العراق.. لقد بدات اهتم بتجربتي التي مازالت حتى الان مدار للبحث وليست هي خلاصات تامة، اي ان موضوع النتائج لاينتهي ابدا، فالفنان يجد نفسه يوميا امام مشكلى ادائية جديدة في البحث والتكوين وطرح الموضوع
مامدى معرفة الناس بفنك؟
-يعرفني كل الناس وخصوصا المتذوقين للفن التشكيلي، كما كما يعرفون اعمالي ويحبونها، ولكن الصحافة، لربما لاتعرفني جيدا..!!
اسلوبك.. الى اية مدرسة فنية ينتمي؟
-انا عمل ضمن المدرسة الواقعية السحرية المعاصرة، درست اللون والشكل من خلال المدرسة الكلاسيكية واعمالها المشهورة ولايمكن ان استفاد من غير المدرسة الكلاسيكية لانها ليست بسيطة اطلاقا كما يدعي بعض المشتغلين حيث حاولوا ان يحرفوا الاشكال ويعيدوا صياغتها بطريقة غير خاضعة لقوانين علمية روحية)..ويضيف مؤيد: شخصيا لاانسى تاثير اساتذتي في تكوين شخصيتي، اما بالنسبة للفنانين العالمين فقد تاثرت باسلوب الفنان (ماغريت) الفرنسي الشهير و(ريمبرانت) لكنني اكرر انني لاابدا من حيث ينتهي الاخرين!
مالذي يشغلك في اللوحة!
-الصدق في العمل الفني والاعتماد على النفس في البحث واستلهام عينات فكرية وعلاماتية جديدة لاتنتمي الى الاخرين بل تنتمي الي
! تشتغل في منطقة تاريخية من دون المعاصرة، لماذا؟!
-اعتمد التاريخ لانه واسع جدا ويتمتع بمكنونات لاتنتهي وان ما موجود في الاساطير القديمة والاحداث التاريخية موجود ومعاصر لكن تتغير مساراته وفي الوقت الحاضر هناك احداث تشبه تلك الاساطير او قريبة منها، فاجمع ما بين الماضي والحاضر وعليه يتبلور لدي خطاب فني ولكن من طراز ذاتي احرص على ان يكون غير مالوف..
سيف الدين سلبي، مجلة الف باء، العدد، 1769، السنة الخامسة والثلاثون، الاربعاء 13 جمادي الاخرة-21 اب 2002

مؤيد محسن، بين قصدية الفن ودلالات رموزه

تلاحق الفن في العصر الحديث الكثير من الاسئلة والشكوك حول ماهيته الحقيقية، وهل بقي محافظا على قيمته الوجودية والروحية والتاريخية يوم كان مشتركا مع المنطق واليات العلوم المختلفة في سبر اغوار الكون وهتك حجب المجهول واضاءة دلالته؟ لكن وظيفة الفن ومنه الفن التشكيلي قد اختلفت فلم تعد الخطوط ولا الكلمات قادرة على اقتغاء خطوات العلم الحديث في عصر التقنية هذا فقد غيرت الثورة العلمية التكنلوجية اليات التفكير الحديثة واستبدلت مناهج المنطق الفلسفية وحيرة الفن وتشككه بطرائق تحليلية تعتمد على تفكيك المواد والظواهر الطبيعية والكونية الى مكوناتها الاساسية لاغية بذلك الطابع الشمولي والعام الذي تبحث به كل من الفلسفة والفن وهذا ما ادى بالفن ان ينحو منحى جماليا وبالتالي اسقطت عنه كثيرا من الوظائف الفكرية والانشغالات الوجدانية ليحشر في خانة المتع البصرية المبهرجة بالالوان والخطوط المفبركة فقد عندها الانسان دعامة روحية وركيزة معرفية فمالت نتيجتهما بوصلته الروحية نحو الجشع والانا والعدوانية.. ان ما يمنح الفنون عامة والفن التشكيلي خاصة العبور الى عصر التقنية هذا القدرة الفائقة على الادهاش والمهارة العالية في توفير المتعة البصرية والحسية والفكرية ليتمكن من سحب المتلقي او الناظر من بذخ المنعشات الحسية والبصرية وحتى القيم والافكار العصرية الجاهزة وكلها مبثوثة اليه بتوجيه وبقصدية مفرطتين ومن بؤر، حداثوية، وعولمية، مفاتيح فكرية جاهزة مقدمة على طبق التقنية ومعلوماتها الذهبية.. ما يحتاجه الفن كجواز مرور الى العصر الحديث عالما من السحر لاتطاله يد العلم والتقنية وان وصلتا اليه فستكونان مطية نحو عالمه المجنون والمتخيل.. والفنان مؤيد محسن قد وعى هذه الحقيقة وابتكر عالمه الخاص.. عالم مشيد بالهموم والالام على مقاسه ومستوعبا لذاته واحلامه.. عالم مقتطع من واقع مرير لايجد، مؤيد، واقرانه من المنبوذين مواطيء اقدام فيه، هربوا بجلودهم منه متوهمين ان عالمهم الجديد، المتخيل، سيكون ملاذا، امنا، يحميهم من استبداد الالة وانياب المال.. لقد بنى، مؤيد محسن، عالمه هذا من مخلفات العوالم القديمة وبقايا الاساطيرلا والموروث من الافكار والقيم المتوارثة كما استعار بعضا من هموم ابناء واقعه المعاش وبعضا من صرعات وجود فنتازي وركاما من الالام، لاتحصى، لحملها المصائر في كمها ونوعها.. ان ما يشد في اعمال الفنان، مؤيد محسن، ويوفر فيها القدرة على الادهاش والمتعة البصرية مهارة الفنان الفائقة في التخطيط والتجسيد الدقيق لغصون المحنة فهو يقتفي اثارها حين تسري في الجسد، تحت الجلد وحين يشع بريقها في العيون المنطفئة وفي الرؤوس المنسية ذوابات املها.. كما ان معظم اعماله تبتدا بسطح لوحة تفترشه قصيدة الفنان ودلالات رموزه لكن للوحاته بعد اخر يتجسد في عمق اللوحة، خفي فيها، يستدرج الناظر اليه ووراء هذا البعد بعد اخر واللوحة لن تنتهي بقرار او قاع تركن اليه، تشعرك بان هناك شيئا مفقودا او سرة يجب الاهتداء اليها مما يرغب الناظر، المتامل بعمق ان يقلب اللوحة والنظر ورائها لمعرفة ما تخفي من معاني مستترة اضافية تكمل ما ابتداه الفنان من قصيدة مفضوحة وشجاعة منقطعة النظير في الاشارة الى بؤر الخراب واسمائها وقد تساعده على ان تطفيء حريته، فالسكك تنحرف في اللوحات بزوايا قائمة والطرق المستقيمة تقطعها الاشارة الحمراء وتسود نهاياتها والدروب الملتوية لايعرف احد تنتهي الى اين.. تبقى الوحدة شعار، مؤيد محسن، وتبقى نظراته ملتاعة لاتعرف الركون او الاستقرار فهو منبوذ من الواقع الحالي-عالم التقنية والمال-ومنبوذ من العالم الذي بناه بخطوطه والوانه ومن جذا ذات روحه وسياط افكاره وقد تقوده هذه الوحدة الى العدمية فلا حقيقة توجد لا من قبل ولا من بعد والمتاهة تلف كل شيء وهذا يبدو جليا في كل اللوحات حيث لاافاق، لانقطة تدل على النهاية.. وةيبقى السؤال، هل تبقى لوحات الفنا، مؤيد محسن، شاهدة على العصر بكل مافيه من تناقضات واعاصير وافاق ضبابية؟ وهل يبقى الفن التشكيلي شموليا في نظرته كالفلسفة ام سيلفظهما العلم ويخرجهما من ساحة الوجود الانساني؟ هذه الاسئلة وغيرها قد تدفع بالفنان، مؤيد محسن، وبغيره من الفنانين ان يبتكروا خطوطا جديدة والوانا خاصة وةرؤى وافكار لاتبلى او يرمون بكل شيء وراء ظهورهم، حيث تمحى كلمة الفن التشكيلي من قاموس المعرفة الانسانية..
سلام حربة، جريدة المؤتمر، العدد 364، السبت، 29 تموز، 2003، 30 جمادي الاولى 1424

مؤيد محسن: ترسيخ الواقع بصيغة تعبيرية

ان من المهم جدا ان ندخل الى الحيز الفني.. التشكيلي وفي ذواتنا النظرة الشخصية التي تحدد المسيرة الفنية لدى فنانينا التشكيليين وبشكل عام..حيث الواقع بتشكلاته وتكوناته الذاتية التي راح يدرك من خلالها الابعاد الموضوعية المؤثرة، والتي تاخذ ايضا ذلك المنطق الايضاحي.. الواقعي الذي يفرض ادراكية المسار الفني فيه.. والدخول الى اعمال الفنان التشكيلي، مؤيد محسن، انما يفرض ذلك الادراك الفني والابداعي مع التوجه الى اشارات الواقع الابداعي المباشر.. ان جمالية اللوحة عند هذا الفنان انما تحرص على تقريب الواقع الانطباعي برؤية فنية، سوريالية، لها نمطها الايقاعي المتناغم.. ان الفن السوريالي، فن متشعب الاتجاهات الادائية ويحمل رموز الزمان والمكان ليعطي لنا في النهاية صراع الاشياء بصفة، رمزية،..، تاملية، مع التبادل الرؤيوي والتعبيري مع الواقع الملموس واعادة تشكيل ما تراه العين فيه بوجه من الوجوه، وكذلك بحركة الانسان ببيئته التي لها تحولاتها الخاصة.
من هنا كان، مؤيد محسن، يبحث بين الوانه وفرشه ووفته عن التشابك الوقتي، او الربط بين العالم الملموس وبين الخيالات الرؤيوية ليجعلها في تداعيات الذاكرة البصرية، لتشكل بعد ذلك نسيج رؤياه التشكيلية.. السوريالية ففي لوحته، الزمن، نلاحظ ذلك المد الفني.. التعبيري الذي يتجسد بين امثولات الواقع مع المد الزمني الملموس، حيث تشاهد تلك الحصون وهي تركض وفوقها فرسان يرتدون ملابس الحرب ويحملون معهم جهاز الانترنيت، وبما ان صورة الفرسان هؤلاء تنقلنا الى الحروب التي وقعت قبل مئات السنين، فان الجهاز الذي يحملوه هنا، هو النقلة المترابطة بين هذه الازمان.. اذا التناقض الملموس بين زمن معين له ظروفه وبين اخر له تطوره التكنلوجي الواضح. وبهذا فان المكان عند هذا الفنان له تغيراته وتبدلاته التي تناقش المسار التاريخي لاعماله، كما وان التجاوب الموضوعي يتم من خلال التاتي المتجانس مع حركة الايقاع الزماني الذي يفجر فكرته بالحيوات التي لها الاتجاهات المؤثرة للاجيال، كما وان التحول الذي يبدو لنا ذلك التحول المكاني له انعكاساته الايحائية، فهو بذلك اي، مؤيد محسن، له فلسفته الخاصة في اعماله، وفي ضرورات التكنيك لمواجهة محدودية المكان ومداه الانعكاسي. ان تجربة الفنان مؤيد الفنية لها امكاناتها التواصلية مع العملية الانسانية الهادفة خلال انتظام التجانس الحركي والايقاعي، وكذلك يعطي لنا ذلك التعبير المتاني في اعطاء الحس المرهف ملتقطا منه دقائقه وحركة الاشياء فيه لتبرز عناصر وعي التجدد بهذا العالم المتشابك وبالوجود الملموس في شكله وذاته كما وان العلاقة الصميمية بين الافق والتاثيرات المادية له معادلته المتناغمة بين، الدال والمدلول،
في اعمال، مءؤيد محسن، نرى ذلك الحضور بين الحاضر والماضي وتاثيره ليبقى الشؤال قائم عن القائية ذلك الطرح الحيوي الذي يحدد ه بنفسه،هو،.. فهو لايعبر عن الالقائية المباشرة منه، وانما يوظف قدراته الابداعية بالشكل الخيالي ليعمل عليه فنيا وليرسخ يقينه بعد ذلك على الاستيحاء الفكري ولياخذ بعد ذلك الرموز الدلالية التي تربط به اولا ومن ثم الخوض في خضم المجال المخصص له. وايضا نقل الفكرة التي تدور في ذهنه.. و، مؤيد محسن، فنا خصب الانتاج يمتلك لغة فنية عالية ويعمل على تجديد انماطه التعبيرية..
جريدة القادسية، العدد-7290، 27 اذار 2002، الاربعاء 13 محرم، 1423

مؤيد محسن: ذاكرة اللوحة النابهة

لم تعد اللوحة التشكيلية تعلق على الجدران حتى تتوسل الزينة والجمال المجرد لمن يراها.. كما لم تعد جزءا من ديكور يحتاجه منزل مترف.. اللوحة الان تحاول جاهدة ان تبوح بشيء، وبين لوحة تتكلم، امراة تفكر. زينة المراة التي تنكر.. عقلها، وزينة المراة التي تتزين.. شكلها. العقل باق، والشكل فان.. فكيف لانتعلق بالبقاء؟ والفنان التشكيلي العراقي مؤيد محسن، واحد من الذين تشغلهم اللوحة، الذاكرة، الكلام، التاويل.. انه لاينقل الطبيعة الى داخل المنزل،ذلك ان الطبيعة ابهى من اللوحة نفسها.. ومن الميسور لنا نقل جزء كبير من هذه الطبيعة كما هي، ومثلما وجدت في الحياة الى قلب البيت، وعند استحالة الامر يمكن الاستعانة بالفوتوغراف الملون والمكبر.. لكن اللوحة الذهنية شيء اخر، ان شاغلها.. قدرتها على التعبير، على الشد، على التامل.. ومن ثم فيها عناصر كثيرة تجعلها مصدر تاويل.. وقراءات متعددة، شانها شان اي كتاب، اي نص، اي عرض مسرحي او سينمائي.. فيها ايحاءات الموسيقى وحسن الجمال، مثلما تكمن فيها قوة زاخرة بالتعبير..
مؤيد محسن، يجعلنا نتلقى لوحاته على انها مكونات عقل ونباهة وتوظيف العقل في مكونات اللحة والوانها وابعادها.. ان اراس قد يكون حقيقيا راسخا، مثلما قد يكون سرياليا.. موشوم بعبقرية سلفادور دالي اللامحدودة وخياله الجامح.. واشارات المرور قد توحي بالممنوع والمسموع.. والعشاق قد تذوب امالهم كما تذوب الشموع.. والرجل قد يكون معلقا بامال مستحيلة، فيما المراة تعيش حالة عادية نقيضة،، والمولود في احضان الام قد تنتهي دروبهما، الام وطفلها، عند نهايات العالم، وعند المرتجى والمؤمل والبعيد.. والمستحيل والمجهول.. لوحات من هذا الطراز، لاتريد ان تكون مثيلة لسواها، مقلدة لغيرها.. وقد يكون هناك ما يماثلها في تحقيق اثر ما، حركة معينة، بوح خاص.. ودالي موجود.. يترك بصماته. لكن الابداع منذ الازلا بصمات اثر بصمات.. ثم منطلقات مضافة لابد للفنان ان يحقق اضاقاته ورؤاه من خلالها، وبعكس ذلك.. سوف يكون مقلدا، والتقليد مرفوض والي ومدرسي وتمرين اولي في الرسم، في الابداع عموما. مؤيد محسن فنان يعمل بهمة عالية، برؤية خلاقة مدهشة مثيرة للجدل ولكثير من الاسئلة.. لان الفن كله مشروع سؤال. وما من فن حقيقي معني بالاجوبة، ذلك ان الاجوبة، لايصل الى صياغتها الا سائل ذكي.. هو بمستوى المشاهدة، بقدرته اللماحة على تشكيل البعد الاخر، اللاحق والمنتمي الى ذات اللوحة.. فما من عمل نابه مفرغ من المحتوى، من تدريب الذاكرة على صنع افاقها، على ابتكار عوالمها، على تفجير معطى اخر غير ما اعتدنا مشاهدته او الفناه في حياة تقليدية رتيبة.. الفنان كائن يفكر، مثلما هو كائن يحس ويتذوق.. كذلك المتلقي الذي يثقف نظرته ولا يجمدها عند صيغ مالوفة.. يرسمها فنان جف خياله يخاطب بها متلق حنط بصره عند كل ما اعتاد رؤيته يوميا.. حتى اصبحت عملية الرسم والمشاهدة.. عملية ادمان لاخروج عنه، ولاتجاوزا له..
مؤيد محسن هذا البابلي-ولد في مدينة بابل العراقية عام 1964- مسكون بالمرجعية الاثارية.. لكنه لم يجعل من هذه المرجعية منتهاه الاول والاخير، بل هو على العكس من ذلك يسعى في سائر لوحاته الى الخروج عن كل ما عرفه في فن الرسم حيث درس واتقن وتلقى تعليمات جاهزة في طبيعة تشكيل اللوحة، الزينة.. ووجد ان لاسبيل له لتنفيذ كل ما تعلمه.. فما كان شكل التمهيد الى اتخاذ خطوات لاحقة والى تحقيق انتباهات جديدة ورؤى مختلفة وقاموس من طراز خاص.
لقد ادرك مؤيد محسن في معظم لوحاته التي شارط فيها في معارض محلية وعربية ودولية، اضافة الى معارضه الشخصية الى انه تلوين اخر، وتنويع لاحق وتجاوز تال لكل ما عرفه ودرسه ونظر اليه وتالف معه وتامل فيه.. لقد هضم كل هذا وخرج بنتائج جديدة، ولغة ذات حس جمالي يبوح بالمستور من كلام الالوان والحركات، بهدف الوصول الى لوحة تاويلية لاتركن الى زينة تقليدية، ولاتسكن جامدة على جدار ساكن.. انما هي انتباهات الى استخدام التشكيل استخدامات قادرة على التخيل اللامحدود.. وبالتالي الى التاويل المنابه الذي يحترم جهد لوحة تفكر وتتامل وتتجمل كذلك..
حسب الله يحيى، جريدة العراق، دار العراق للصحافة والنشر، العدد-7571، الخميس 28 محرم 1423 ه، 11 نيسان 2002

مؤيد محسن.. الغرائبية.. والواقعية المختلفة

في محاولة منه لتهشيم بنيات الواقع والغاء تراتيبيته ونمطيته المالوفة، يجتهد الفنان مؤيد محسن في اعماله الجديدة لخلق غرائبية.. واقعية مختلفة!! نستطيع ان نطلق عليها او نسميها غرائبيته او نمطه الخاص، وهو بهذا الاشتغال والمسعى يتماهى مع تجارب فنية معروفة لها مساحة من الحضور الجمالي الراسخ.. فسريالية مؤيد محسن تمسك بك ولاتدعك تغادر مناطق انشغالاتها وحدودها الا وفق احتمالات الانبهار والاندهاش والرغبة في الكشف عن مكنونات ومكونات تفاصيل التجربة وتجلياتها المعبرة عن ذات انسانية متوقدة، بانه لهمومها المتاصلة في فضاء مشع من عذابات الوحدة وغيابات الامل وانهيار الحلم، ولذا فان شخوص مؤيد محسن غالبا ما تنبثق وتتسيد السطح التصويري للوحة بلا ملامح موحية او رؤوس مثيرة الى ادمية واضحة القسمات.. فهوية شخوصه غائمة لاعلامات تدل عليها او توميء لها، وهي بهذه التصورات موزعة متشظية في عالم فسيح من الخطوط المتشابكة، ونستطيع ان نطلق على اعمال هذا المبدع تسمية مشاكسة لها تجاورها مع ماهي عليه فهي، صوفيات عراقية معاصرة، باعتبارها تستحلب معطياتها من واقع مكاني محاصر بفعل مؤثرات ضاغطة-داخل، خارج.. ولنا ان ندقق في تفاصيل لوحته، انتظار خارج المدينة-زيت على القماش-قياس 1 × 2.5، لنجد ان ادم مؤيد محسن يقف بلا راس الى جانب حوائه وقد اخترقت اسطوانة عمودية من اعلاه لتغيب ملامحه، وليصبح، ثيمة، ذات محمولات دلالية عالية الافصاح عن جوهرها، كاشفة لرؤية الفنان ونظرته الى موجودات واقعه المهشم.. لقد انجز مؤيد محسن هذه اللوحة وبقية شقيقاتها بتقنية متقدمة وبقدرة ومهارة لونية تشير الى تفرد جمالي وتزييني واضح، اماى لوحته الاخرى، انتظار في اخر المدينة-2، زيت على القماش-قياس 1 × 2.5 م، فهي متممة بموضوعها لانتظاره الاول على الرغم من اختلاف وقفي ادم وحواء في سطحها الذي تميل الوانه الى الغروب المؤثث بتفاصيل صغيرة تعين اللوحة ايصالها المعنى الى العين المبصرة وباستجابة مقنعة، اما، عودة الطيور-زيت على القماش قياس-1 × 2.5، فهي لوحة تشتغل في منطقة متشظية من معطيات التجربة الانسانية الراهنة، فعود مؤيد محسن مازال قائما على ارض المقبرة المتخيلة، والتي اصبحت ملاذا امنا للطيور واللقى والطرائد المحاصرة. بمعنى ان الامان لايتوفر الا في الاماكن المقفرة والموحشة والمهجورة، وهي بهذا التناغم المتحرك المنشي بقدرة الفنان ومهارته في ترويض مفردات الواقع، وجعلها محتشدة في امكنة لايرتادها الا الندابون والسحرة والهاربون من مطتردة الهواجس والانتظارات والغيابات وملاحقة النفس المازومة.. وعلى اية حال ان تجربة الفنان مؤيد محسن ذات ثراء دلالي مشحون بقوة التعبير المنبثقة عن رؤية فنية متحققة في اصالتها وافاق تفردها وغناها، مستمدة مفرداتها من ارضية تزخر بكل ما يحرص على الفعل المبدع الخلاق، ولاشك ان فنانا كمؤيد محسن يستطيع ان يمنحنا متعة دائمة بفعل وعيه التشكيلي والحياتي معا، فلقد صقلته تجربة سنوات طويلة من الحرمانات والمواجع والحصارات الغاشمة، وربما يجيء الوقت الذي نجد فيه اصابعنا كلها تشير باعتزاز الى منجزه المتحقق رغم قسوة الوقائع وغرابة الاحتمالات فاصالته كفيلة برفع نسبة الامل ومثابرته وعنايته وغرائبيته ما يجعلنا نراهن عليه وعليها ونراقبهما معا ونحتفي بتالقه فهو فنان قدير ومتمكن ومنسجم مع ذاته ورؤيته للواقع وللحياة وللناس.
شكر حاجم الصالحي، جريدة القادسية، العدد-7152، الاثنين 21 ايار 2001

الفنان مؤيد محسن العزف على اوتار الزمن

لايستطيع من يتطلع الى احدى لوحات الفنان المبدع مؤيد محسن ان يشيح ببصره عنها بسهولة، ذلك انها تمتلك قدرة هائلة في التأثير على المتلقي وتحتوي على عناصر جذب تجعله يبحث في ثناياها عن اجوبة لاسئلة تدور في خلده.
فالزمن -ذلك العنصر الغامض في مسيرة الحياة- حاضر في اللوحة، مجسدا من خلال استخدام الشخوص الحضارية لمراحل مختلفة من تاريخ العراق، والتعبير عنه بآثاره او بالبدائل الدالة عليه (كسكة الحديد مثلا). وماهية الزمن سؤال مطروح باستمرار، والاجابة عنه قد تكون بالغة التعقيد، غير ان تعبير الفنان عنه يجعلها اجابة واضحة بسيطة.. العمر ينقضي، ذلك هو الزمن، والحضارات تنسلخ وتتوارث في مسيرة التغيير الابدية، والشخوص الحجرية تعلن توقف الزمن، بينما تحاور الالة الموسيقية ضريحا لعبد صالح، في اطار لحظي ينساب خلال عصور عديدة.
ان هموم حضارات وادي الرافدين تكاد تنصب في هموم المواطن المعاصر، لذلك نرى في لوحات عديدة حضور الرموز الحضارية، من تماثيل وابنية، كبديل للانسان العراقي، وكتعبير عن ذلك التواصل التاريخي الذي لايزال مستمرا لشعب العراق، والذي يجعله محط انظار واحترام العالم اجمع.
ففي لوحة (احتضار كوديا) نجد تمثالا للملك السومري العادل (كوديا) وقد انتصب على خط للسكة الحديدية، التي تنعطف من عمق اللوحة وهي تمر خلال ارض جرداء بينما تناثر حطام من التمثال بالقرب منه، وحدث فيه تصدع (رغم ان التمثال الاصلي هو من حجر الديوريت شديد الصلابة)، وهنا تعبير عن عمل الزمن في الاشياء، فهي مهما تكن صلبة فانها ستتحطم وتتصدع وتذوب كما لو كانت من الشمع. وبينما تكفهر السماء وتتلبد بالغيوم، يسلط الفنان ضوءا من جانب اللوحة على التمثال، مبرزا بقوة عنصر اللوحة الرئيس، ومؤكدا قدرته المميزة على تصوير الضوء والظل. وعلى رأس الملك السومري تقف حمامة بيضاء، رمزا للسلام الذي يؤكد عليه الفنان، ومبينا في الوقت نفسه توقف الحركة بالنسبة الى التمثال. فالملك العظيم، لايستطيع ان يزيح عنه تلك الحمامة التي تبدو اكثر قدرة منه في الوقت الراهن. وفي عمق اللوحة، وعلى مرتفع، تظهر قبة مخروطية، من عصور اسلامية متأخرة، لتستحضر تاريخا مغايرا، وتعبيرا عن الحركة اللامتناهية لعجلة الزمن، وربما افضلية الحضارة الاسلامية.
وفي لوحة اخرى اطلق عليها الفنان (مكان تحاصره الاحزان)، نرى مشهدا داخليا لبيت معاصر، واول ما يقع عليه البصر تلك الصورة الحزينة لامرأة تداعب طفلا معلقة على الجدار، وقد وشحت بشريط اسود في زاويتها، فنستنتج مباشرة مأساة موت الام والطفلة، بينما رقد رب الاسرة المنكوب قرب الصورة، وقد استبدله الفنان بتمثال شهير من حضارة وادي الرافدين، ووقفت حمامة السلام على قاعدته، تعبيرا -مرة اخرى- عن سكون الزمن وفقدان القدرة، والاستسلام لحتمية قاتمة. وهناك صندوق في وسط اللوحة ربما للايحاء بصندوق للذكريات طالما فتحه المنكوب متحسرا، بينما يمكن تفسير المعول في الجهة المقابلة للصندوق على انه اداة الدفن، او اداة البناء في آن، فهو مفتاح للخروج من تلك الازمة الكئيبة التي تطرحها اللوحة. غير ان جو اللوحة العام ليس حزينا، فالنور يسطع من الباب الجانبية، والسماء زرقاء مزينة ببعض الغيوم كما تبدو من نافذة الغرفة.. وهذا ماخلق توازنا في اللوحة يبين قدرة الفنان على مداراة احاسيس المتلقي بحيث لايسبب لديه ازمة نفسية وهو يطرح موضوعه.. جدلية الحياة والموت.
ان لوحات الفنان مؤيد محسن، لوحات مبدع عراقي بابلي مخلص لحضارته وتاريخه، ونفس باحثة في ثنايا الاشياء عن القيم العليا في مسيرة الانسانية، وانامل رقيقة تجيد العزف الممتع/ الخطر على اوتار الزمن.
علاء غزالة، جريدة الجنائن، العدد 142 الاثنين 10 آذار 2003

مؤيد محسن: تجليات الشكل

كان من من جراء النزعة التسطيحية في الفن ان اصبح للمكان بمعناه الشمولي مفهومه الاشتقاقي الرمزي.. واصبحت للعلاقات به قيم مرتبطة بمفاهيم تنعكس عليها ومنها مواقف اجتماعية واضحة.. وحين نتحدث عن الفنان التشكيلي العراقي، مؤيد محسن، يمكننا ان نقول: على الفنان ان يبدا بمحاولاته الجادة والرصينة في التشبث بكل الوسائل التي تؤدي الى عملية الخلق والكمال الفني.. عليه ان يبدا.. ولكن كيف؟ ولماذا؟ اجيب عن هذا التسائل بنفسي واقول: يبدا لانه طائر مسكون بهاجس الاكتشاف.. بهاجس الحرية، ولنقل عن اعمال الفنان، مؤيد، انها محاولة عقلانية في التاصيل.. وليس تجاوزا للانجاز الابداعي العريض لمؤيد محسن عندما اتحدث عن اعماله.. ذلك ان هذه الاعمال فيها من عناصر الابداع والشد ما يوحي بامكانية الفكرة المجردة التي تدفع وتحرض على الاكتشاف.. وليس غريبا ان تتميز لوحة ما من بين حشد من الاعمال المزدحمة على الجدران، الصديقة، التي اختارها، مؤيد، فقد عبر هذا الفنان في لوحته هذه عن امكانية تحرره من اسلوبيته المعروفة.. في لوحة، مؤيد محسن، الجديدة يترك وظيفته كرسان ليتحول الى، منقب، اثاري ليكشف لنا عن، موجودات تاريخية.. عراقية اصيلة،.. لقد اهتم، مؤيد، هنا بتوازن اللوحة وتناظر كتلتيها: الاولى الاثر الذي يزيح عنه تراب الزمن والثانية التي تمثل عمق اللوحة.. ان قوة هذا الخطاب التشكيلي الذي يعرضه، مؤيد محسن، في اعماله، السوريالية، الشكل والمضمون والتهديف تكمن في ابداع، مؤيد، الذي يمضي بخبرته وتجربته نحو تعميق خطاباته التشكيلية في الحياة الثقافية المعاصرة من خلال المحافظة على اسلوبيته متجاوزا بذلك كل الاعتراضات النقدية التي تحاول تهميش هذا التكريس للاسلوب.. اقول: خلافا لباقي الفنانين التشكيليين يجد الفنان.. السوريالي نفسه في وضع يفتقر الى الحرية المطلقة في تناوله لمواضيعه الفنية المتباينة والمختلفة من ناحية الطرح الموضوعي.. ولهذا يظل، الخط والكتلة، يمثلان العنصرين الرئيسيين في البناء التشكيلي لديه.. ونجاح هذا الفنان او اخفاقه في هذا المجال ستقرره في النهاية تلك الطاقة التخيلية والبراعة الفنية اللتان يقدر للفنان ان يجسدهما في عمله النهائي.. يلعب، مؤيد محسن، على التجاذب القديم بين الطرفين فرح كبير عال جدا والم عظيم.. وضوح باهر وغموض معقد.. وكل تطرف يوحد لطرفين حيث توجد هناك اللحظة التي تفصل بين الفرح والالم تكاد لاتدرك او تلمس.. فجاة.. تنقلب الابتسامات الى جراح.. او يضيء الليل من شدة سواده.. علينا اذن ان نهتم بلوحات، مؤيد محسن، بوصفها جماليت لونية وشكلية وتجانسية وموضوعية وتمتلك استنفاراتها الحلمية الشفيفة وتعبر عن موضوعات حياتية مؤجلة تستطيع ان تمنحنا الثقة والطمانينة والامان النفسي العارم.. فعالم مؤيد.. هو بالضبط عالم لوحته المتشابك.. الرصين.. انه عالم فريد من نوعه.. عالم ينمو بصعوبة.. ويتفتت بصعوبة.. ويتفكك بصعوبة ممزوجة بالحلم والخوف مقتربا من فجر يولد في بذرة خضراء متفتحة لشمس الوجود الساطعة.. وملتصفة بليل اسطوري حالم يسبح في ظلمته الزرقاء طائر غير عادي.. انه طائر الفينيق الاسطوري الذي يضم بين جناحيه سرا لايعرفه احد غير مؤيد محسن نفسه..
حامد الهيتي، جريدة العراق، العدد -7245، الخميس 8 شباط 2001

Monday, May 30, 2005

تجارب الالفية الثالثة .. مؤيد محسن: ذاكرة الغد

هل رحلت السوريالية، برحيل، دالي، ام انها مازالت نابضة بالخيال التعبيري، وبرموز تبتكر معناها؟ الفنان مؤيد محسن يذكرنا بتاريخ راسخ للخيال الذي يعيد، نقد، المرئيات، واعادة تركيبها بتشويهات جمالية مناسبة. فليس ثمة، عند مؤيد، محاولة لارضاء الذوق التقليدي، او تصوير مدائح لاعلاقة لها بالصدق الداخلي. انه ينقانا الى عوالم غير متجانسة، في الزمان وفي المكان، عبر بنية غرائبية للاشكال والمقاصد. فهو ينقلنا الى حضارة وادي الرافدين، ولحضارات اخرى، كما في لوحة سقراط،، ويصور المكان بازمنة مختلفة، فالى جانب التماثيل الاسطورية، هناك علامات لعصرنا: علامات المرور.. السكك الحديد.. الاضواء.. الخ وكل ذلك تحت سماء ملبدة بالغيوم، مكفهرة، بالغة الفنتازيا والفكاهة السوداء.. ان هذه المشاهد المسرحية والسينمائية، تروي تناقضات لاذعة وحادة.. فالرسام يعلن-كما فعل الرسام الايطالي بوش-نحن عالم غريب مشحون باللامعقول، والمناخات الكابوسية.. اننا في رحلة غيبة ينقلنا عبرها الفنان الى اومنة وحضارات ومناطق قديمة.. وكاءن الفنان يعرض لنا مارءاه-هو-لهذا الشريط من الاحداث، والقصص والاشكال الخرافية. فحرية الفنان تكمن في اعادة بناء المشاهد، جاعلا من اللرسم، غاية تفصح عن رؤية الفنان، لهذا التعارض، او عدم الرضا. لقد كان، بريتون،، منذ عشرينات القرن العشرين، بفعل فرويد، يتحدث عن التلقائية، وعن العالم الداخلي، وخفايا النفس او العقل الباطني، ويتحدث عن مشروع تحويل الداخل الى سلسلة من الصور والاعمال الفنية.. لكن الفن كان قد سبق ذلك منذ زمن بعيد.. كما جاءت تجارب فنية كامتداد يعلن عن خصائص بالغة التعقيد، في رصد المشهد التحليلي للاشياء، فالفنانون ينظرون بغضب لهذه التعارضات، دون وضع حل ممكن عدا تقديم هذا النقد الجمالي، كصرخات او اعتراضات عبر كوابيس هي مزيج من التاريخ والقصص والفوتوغراف والرموز المتداولة.. والنقد او فلسفة الفن يطالبان الفن بحل اخلاقي مباشر. ان المشاهد، في الاصل، قائمة على نقد المرئيات وقد تشكلت بذاكرة سينمائية تجميعية او تركيبية في تكوين المشهد الاخير. وقد جاءت معظم الاشكال عند مؤيد محسن مستمدة من البيئة العراقية، في الحضارة او في الواقع.. معبرة عن الم دفين.. وعن ارتباط عميق بالجذور.. ولكن هل لهذه التجارب صلة يالسوريالية، كاتجاه او كاسلوب؟ ان اعمال الفنان تعبر عن خبرة مستمدة من عدة مصادر، تمركزت في مشاهد لامعقولة.. وقد عبر باسلوب يخدم رؤية الفنان وافكاره. فقد تجنب الاتجاه التعبيري، التجريدي.. وتجنب الاتجاه الزخرفي والتزييني، وكل اتجاه له صلة بالديكور، متوقفا، وبنوع من الاناقة، عند الاسئلة. فاعماله تحمل اسئلتها.. وليس لديها-مع المشاهد-الا اثارة الخيال، وتنشيط الذاكرة.. وهذا ماكتبه الشاعر حميد سعيد في دليل المعرض، قائلا:، مؤيد محسن.. ريشة واعدة.. ولاقل، انها كنز وعود، ولست في موضع المبالغة.. هكذا احسست وانا اتامل لوحته.. هكذا احسست وانا اتامل لوحته الرائعة.. كوديا يحتضر.. ان كوديا يبعث في احتضاره وتلك سمة الحضارة العراقية الاصيلة، ان تجربة الفنان،، قاعة اينانا، تاتي مغايرة للرسم الجديد في العراق. فهي تتمثل بخطابه العالمي خارج اللغة الواحدة، لغة التجريد شبه العامة في التجارب الجديدة، فقد لخص الفنان بابداع لاحيادي ازمة الانسان عبر وعيه ومنطقه في عصر شائك.. يقدم الفنان تجربة تخص ذاكرة الغد لا كوثيقة اجتماعية او نفسية فحسب بل كاستجابة لنداء الجمال، اي الخطاب المؤجل دائما، والكامن في الخطاب الفني، الامر الذي يجعل تجربته ذات اثر لايمكن ان يكون الا جزءا من الذاكرة.. ذاكرة الغد وهي تتفحص مكوناتها في زمنها اللاحق! انه الرسم في درجة الصفر، او درجة الغليان التي توازي في الاخير درجة الانجماد.
عادل كامل، عضو رابطة الايكا، مجلة الطليعة الادبية، دار الشؤون الثقافية العامة، السنة الثانية، العدد الرابع، 2000

مؤيد محسن.. فنان ينظر الى الكون بعيني صقر

ان تكون هناك مسافة قصية بين الفن والانسان.. بين الفن كموقف والانسان كقضية، مسالة لاتفاجيء احدا.. ولان الفنان يعيش مثل هذه الحقيقة احيانا قد لايتعامل مع نفسه ومع كل مفردات نتاجه الابداعية الا على هذا الاساس.. قد نمر بعالم الطفولة الساحرة فنراها انها لاتعني هنا ان يكون الانسان صغير السن، انما الطفولة هي الصفاء والطيبة والعفوية والطموحات التي لايتوقف عطائها الانساني عند حد ابدا.. والتي تاخذ طريقها امام الانسان في خط بياني متصاعد.. قد يكون التعامل مع مؤيد محسن.. خطرا.. مخيفا.. لكن هذه المسالة ربما تقودنا الى قدر كبير من الاعتقاد بان اغلب التعقيدات التي يواجهها الفن في هذه المرحلة الصعبة حيث تكمن كل دواليب الحصار القذرة انما هي فعاليات انسانية تتجه باجمعها نحو حياتنا الجديدة الاتية.. ولان مؤيد محسن.. هذا الفنان الجاد، وريث تراث انساني هائل فانخ وفي جل اعماله يحاول ان يكشف عن اوراقه المهمة التي تقدر على ان تدلنا على كل مراحل الغموض فيها.. بيد ان،مؤيد، وفي كل الاتجاهات يحاول جاهدا ان يجعل فنه، السوريالي، مجرد مرءاة لذات تتوخى الصدق والاحساس بدور الفن في تاملات الانسان المعاصر.. ان مؤيد هنا هو وريث التاريخ الرافديني.. وريث الاسطورة البابلية الفريدة.. وريث حكايات المجد المؤثل على ارض العراق.. انه يحاصر نفسه بالحتميات المعقولة واللامعقولة.. ان الفنان لايخضع للخوف بقدر مايخضع لتراكمات الانسان في داخله.. انه يضع ذهنيته لصالح انتاجه الفني، بل هو يستمد مقوماته الظرفية والمرحلية من يقين مرحلته هو.. ومن يقينه هو بالذات.. وكلما امتدت الجسور بينه وبين الثورة الكلية كفعالية اخلاقية وكهيكل متفرد، كلما اصطفى جذور بيئته واستوعب خصائص تاريخه الذي هو تاريخ وطنه بالذات.. ان نتوفر على دراسة دقيقة لاعمال،مؤيد محسن، يعني ان نضع في موضع الاعتبار كل الظروف المحلية لها انطلاقا من فهمنا لمفردات اسلوبه: الكلاسيكي-السوريالي-الرمزي-التعبيري المجرد والمتجدد.. وانطلاقا من ادراكنا لشخصية، مؤيد محسن، التي لم تخل مطلقا ورغم، هوسه التشكيلي، من التاكيد على انه مسؤول عن كل ما جرى ويجري حوله.. ان فن، مؤيد محسن، ليس فنا سورياليا بحتا بالمعاني العادية.. ولكنه ياتي في كل الاوقات مشحونا بطاقة وابداعية هائلة ياتي مشحونا بفاعلية، مؤيد، الذهنية ترى: من ذا الذي لايرى تكتسب لونها الخاص والتي ايضا تكتسب توقدها الغامض..؟ ان اعمال، مؤيد، بالقدر الذي تطرح فيه نفسها انما تؤكد مسالة مهمة.. وهي وضع اعماله هذه ضمن جدار واحد هو رفض اية قرارات اخرى مفروضة عليه.. فنحن وبالرغم من زخم الحركة التشكيلية العراقية وتناميها المتصاعد، والتي تتسم بميل واضح نحو عالم التجريد، البحت، يجد، مؤيد محسن، نفسه يجتاز فترة مضنية تتطلب منه قلب المساحة التي ينتصب فوق اديمها الصخر.. الصلب.. واذا كان من السهل ان نتحسس الطابع الماساوي المسيطر على اجواء ومناخات واعمال هذا الفنان القادم من غياهب شجية قاتمة عبر صور القسوة والدمار والابادة الجماعية العنيفة للانسان والتي تمثلها الحضارة الهجينة.. فليس من السهل ان نقف على الابعاد الرمزية والذهنية لرموزه الرئيسية في مفردات هذه الاعمال.. هنا نتسائل: لماذا الفن..؟ ولماذا هذا الفن بالذات..؟ ولماذا اعمال مؤيد محسن..؟ ان هذا الفنا بصراحة يحاول ان يصدمنا في جملة نتاجاته الابداعية.. يصدمنا باسئلة عن الحياة التي خبرها واكتشفها وعاش جوها اللاهب هو نفسه.. ترى: هل يريد، مؤيد محسن، احداث رهبة قاسية فينا..؟ ام انه يريد ان يضعنا قبالة انسانه المروع.. المهول.. كل الحالات تضعنا امام حالة صدق يكتبها تاريخ مؤيد محسن.. كل الحالات تضعنا امام هذا العراق المحاصر بالجوع.. وبالجمال.. وبالغضب العراقي العارم.. وبالقهر.. وبكل اشكال المستحيل وجها لوجه.. كل الحالت تضعنا امام لوحة، مؤيد محسن، الاتي من عميق مسافاته البعيدة التي لاترى بالعين المجردة..
حامد الهيتي، جريدة القادسية، العدد-5994، الاثنين 22 ايار 2000

الفنان مؤيد محسن: العودة الى الاصول ايقاظ للمخيلة

اقام الفنان مؤيد محسن مؤخرا معرضه الشخصي الخامس على قاعة، دار اينانا للفنون، وعرف الفنان بتجربته الفنية الخاصة، حيث ايقظ بوعي حساس الطاقة الرمزية، والتعبيرية الكامنة في الاشياء والموجودات اليومية، الحيالتية، حيث اعاد من خلال انجازه الحياة للمنهج التعبيري الذي انطفاء منذ سنوات طويلة. ويبدو بان استعادة القدرة والطاقة التعبيرية متاتية بسب ظروف الحرب المستمرة والحصار الاستعماري. وكانت تجربة مؤيد محسن ملفته للانتباه، لانه استعان بقدرة التخييل على صياغة واعادة قراءة الاشياء والاشارات قراءة مختلفة تماما، مازجا معها غرائبية واسطورية، ممكن ان تكون، لابل قد تحققت كما قال الفنان بحوار معي لانه لايريد اللوحة ان تكون لونا ممتعا فقط ويلغي قدرتها الفكرية على احداث الصدفة في اعماق المتلقي ويدرك الفنان عبر مخيلة خاصة زاوجت بين اليومي، الجمعي، وبين الذاتي والسريالي، لتقدم صياغة فنية عن مصائب الناس وكوارث جمعة لن تنسى. كما انه اهتم كثيرا بالانسان وكينونته، حاضره ومستقبله الذي لن يكون من ماضيه، لهذا نجده في كثير من اللوحات معتمدا على النقل المباشر وكانه يقدم تصويرا، لكنه وبحساسية فنية عالية يضيف رمزه او علامته ويجسد في لوحته موضوعا سرديا..ينطوي على ماساة، ربما الفنان والانسان العراقي حصرا.
الحضارة واحلام الانسان
ركز مؤيد محسن اهتماما على الحضارة المتبدية من خلال السلطة بمفهومها السياسي والمادي والدور الذي لعبته في تدمير الانسان وتحطيم احلامه، ويعتبر الفنان الحرب واحدة من تبديات الحضارة، والحصار ايضا. لكنه يشدد على ان حرية الانسان المشروطة والمشطوبة تمثل تحديا للبشرية التي ساهمت بانتاج عناصر الحضارة وهي التي همشت دور الابداع، لانه لم يعد مطلوبا ومهما..لقد تحطمت احلام الانسان بضغط الحضارة، الحرب وواجه الانسان تعطلا كاملا، فالانسان المسافر المستند على عمود الكهرباء وبجانبه حقيبته الصغيرة لايملك شياء غير الانتظار والترقب، والاكتفاء بالتامل المنشده والخائف من شيء يتضح له من خلال جسد الانوثة المشوه والمحطم، جسد مستعد للاخصاب والانبعاث، لكن الحروب عطلته والغت دوره الانبعاثي في الحياة، لذا بدت لنا معوقة وتتناثر حولها رسائل لم تصل لاحد. وهذا يتكرر في اكثر من عمل فني ويتضح هذا اكثر في وسط مساحة ضبابية، يفقف في عمقها رجل عملاق مسخته الوحدة والوحشة وحولته الى كائن حديدي، تدخلت الحضارة عبر التقنية، ومسخت عناصر الانسانية وصار كتلة صامته، افيقدت ملامحها ومحوطة بسلك كالسياج مع وجود امراءة في مواجهة جسد تكنلوجي فقد راءسه.
هذه الطاقة التعبيرية هي التي قادت هذه المدارات للتجسد بقوة تعبيرية والوان ذات وظائف فكرية مساندة للموضوع اليومي الحياتي.. لقد هيمنت المخيلة تماما على المتون الحكائية للاعمال التعبيرية التي ضمها معرضه الرابع ومؤكدا وبشكل ملفت للانتباه، حيث ظهر الانسان في كل اعماله منتظرا، ووحيدا في احيان وتتجسد الوحدة-احيانا-بوجود امراءة مفرغة من بشريتها ويكون جسدها انثويا بالجانب البصري فقط، لكنه منطقي، وميت بالخصائص الانسانية وفي احيانا اخرى تكون هي موجودة ومعطلة والرجولة مفرغة، جسد حديدي، ومن هذا يبدو بان الحياة الانسانيىة حياة رماد، تعطل، غزاها العطب وعطل قدرات القطبين الاخصابية والانسانية. تثير اللوحات التعبيرية رعبا في نفس المتلقي، حيث الانسان المخترق بالتكنلوجيا والمعطلة له. ولهذا افقدت الخصائص ووظائفها تماما، وتلك مثل اللعنة التي اطلقها الفنان، شاتما بها العالم والموت والدمار، لاعنا العطل، مستفيدا من قوة اللون، اللون الاحمر الصارخ والالوان المنطفئة والرمادية وكلاهما يشيران كما هو واضح لمدلولات فكرية ومعرفية واضحة، وهذه المدلولات مقترنة بموجهات خارجية، ذات صلة بالحياة اليومية العراقية..
الانسان متمركز في المخيلة
اعتبر الفنان مؤيد محسن انسانا وهو الاساس وقد تمركز في اعمالي واهتممت بالمراءة وعبرها بالجنس كوظيفة وطاقة خلاقة، لها عناصر مرتبطة بالحياة وتجددها ثانية، وسعى الفنان ايضا نحو التاريخ والحضارة ورموزها الدينية والاسطورية، وجسد هذا في معرضه الخامس والذي يعتبر اخر معارضه، وشغف بالعناصر الاصولية الاولى، وصارت له قراءة جديدة للاحداث، والاساطير وحاول ايجاد صلة بين الماضي والحاضر، وهذا ما ظهر في عدد من لوحاته مثل ابو، وعلاقته مع المطر و،دودو، كاتب حمورابي وعلاقته مع المسلة، والماثور المعروف عن اسد بابل..
قال عنه الفنان المعروف، جميل حمودي، الفنان مؤيد محسنيدخل الى لوحته من باب التذكر الاستعادي للحضارات الرافدينية القديمة، لكنه رغم معالجته لذلك الطابع الاكاديمي، فانه يبدع تكوينات تعبر عن مضامين تتعمق في منطلقات الزمن وتذهب شرق وغرب في حيثيات الحضارات الموغلة في حسها الانساني. وهو يدخل عالم الحضارات السومرية فيتسربل بعالم الوركاء وجلجامش حيث يتكثف الرمز والغرابة، ثم يعود الى اور ولجش ونفر.. ويتخذ من كل هذه العوالم ذات الصفات الاصيلة عبرا ورموزا يعالجها بنظرة الانسان المعاصر. ولكنه يعالجها بطريقته الخاصة مهتما قبل كل شيء بالناحية الدرامية والماساوية التي اظنها تملاء وجوده هو، حيث وضع المفهوم الانساني على مستوى القيم. ان مغادرة الفنان مؤيد محسن من الهم التعبيري، النقلي الى الاصول الحضارية والدينية التي ساهمت ببلورة التاريخ الاول في العراق القديم، هو نتيجة احتجاجية لاتختلف عن موجهات اعماله التعبيرية، فبعدما دمرت الحرب الانسان لم يجد الفنان اسطورته الا بالعودة الى مجد الماضي وصاغ من خلال رموزه خطابه الفني. اما الفنان والناقد د، عاصم عبد الامير فقد قال عن تجربة الفنان مؤيد محسن بانها تجربة مشحونة بالمفاجاءة والصدمة وهي ربما التجربة الاولى بين تجارب الشباب انطوت على كافة صادقة، متحدية، كاشفة عن مخيلة حيوية وكلما كانت المخيلةنشطة وقوية، كان النتاج متحديا وصادقا ووثيق الصلة باصوله وجذوره وتلك واحدة من خاصيات الفنان مؤيد محسن.
ناجح المعموري، جريدة الزمان، 27 نيسان 2000

في تجارب مؤيد محسن

قبل حوالي عام مضى كان، مؤيد محسن.. قد اطلعني على عدد من لوحاته، ورغم اني شعرت بالكابة امام تلك اللوحات التي كانت اجواوءها اللونية على عكس روحه المرحة والمليئة بالخفة، فاني وجدتني مرتاحا لما وجدته فيها من التباين الفني والتضاد وافاق من التناقض، ذلك التناقض الذي يوحي بشيء شبيه بالاحلام وبعالم تملؤه الرموز والتعابير التي تبعثه على التامل. وشاءت الصدفة بعد ذلك، ان اطلع على عدد اكبر من لوحاته فوجدتني امام عالم يتميز لاول وهلة باسلوبه الفني الواقعي الذي يتغلغل من خلاله نحو التعبير عن عالم غريب يقترب من عالم السريالية-فوق الواقعية-ويسير في منطلق الوجود واللاوجود في وقت واحد.. والتكوين في تلك اللوحات يعكس السالب والموجب في ان واحد فهو الجواب اولا وهو السؤال الذي لايغفل عنه الفنان، مؤيد محسن.. يدخل الى لوحته من باب التذكر الاستعادي للحضارات الرافدينية القديمة لكنه رغم معالجته بذلك الطابع الاكاديمي، فانه يبدع تكوينات تعبر عن مضامين تنعمق في منطلقات الزمن وتذهب شرق وغرب في حيثيات الحضارات الموغلة في حسها الانساني.. وهو يدخل حينا عالم الحضارات السومرية فيتسربل بعالم الوركاء وكلكامش حيث يتكثف الرمز والغرابة، ثم يعود الى اور ولجش ونفر وينقلب الى نمرود وبابل واشور ونينوى، ويتخذ من كل هذه العوالم ذات الصفات الاصيلة عبرا ورموزا يعالجها بنظرة الانسان المعاصر، ولكنه يعالجها بطريقته الخاصة مهتما قبل كل شيء بالناحية الدرامية والماساوية التي اظنها تملاء وجوده هو، حيث يحاول وضع المفهوم الانساني على مستوى القيم التي تستفيد من الحقيقة التاريخية ثم يمزج العصور ويرتب مسيرته متنقلا بين كلكامش وعشتار ودودو وكوديا وحمورابي ويصعد الى قمم الزقورات وابراج المعابد ليكتشف زوايا تلك الايام الحالمات ويصلي في معابدها ويتحاور مع كهنتها وتارة يجالس ملوكها والهتها وتارة يسامر عابري السبيل في دروبهم، وغايته في كل هذا، الوصول الى التعبير عن جوهر الحياة والى معنى الوجود حاله حال كلكامش.. في غربته بين الخير والشر والحياة والموت وكانه في مسيرته عبر لوحاته يذهب الى مختلف منعطفات الحياة والتاريخ يسبر غورها ويكتشف الغازها وياخذ منها ويعطيها من عنده اشياء واشياء محافظا على تقنية تقتدي بالاسلوب الكلاسيكي وتترسم الواقع تاركا فلسفة الظل والضياء تتحكم بالتعبير حين تعطي للمعاني معكوسيتها.. يعجبني في اعمال مؤيد محسن الدقة والامعان فيها بحيث يمكننا عدها عنصرا مميزا فيها. وهكذا يجتمع في لوحاته الى جانب مضمون ذي الطابع الغريب، عناصر اخرى تستلهم التقاليد الاجتماعية والقيم الروحية وان ظل هذا الفنان على قوالبه ورؤيته الاكاديمية للاشياء فان ذلك يتناسب كل التناسب مع فكره ومواضيعه.
الفنا الراحل، جميل حمودي، جريدة العراق، العدد-6943، الخميس 9 كانون الاول 1999

في معرض مؤيد محسن..الرسم في درجة الصفر

ياتي معرض الفنان مؤيد محسن الثالث-قاعة عبلة للفنون-مغايرا للرسم الجديد في العراق. فالفنان لايتخذ من التجريد او الاساليب الاختزالية اسلوبا له، بل يمسك بغربة واغتراب الانسان المعاصر ويتاملها ويقدمها كوثيقة ادانة لعصر غدا الانسان فيه فائضا عن الحاجة انه الانسان الذي فقد ارادة الرؤية والهوية وصار شيئا لايثير الا الشفقة او القرف.. ومثل هذا الموضوع الكلاسيكي، منذ غادر ادم الجنة، وبكل ميلاد متكرر بلا غاية، يجسده الفنان برؤية سينمائية معاصرة. فتجربته تتمثل بخطابه العالمي، خارج اللغة الواحدة.. فهو يتفحص حياة الشقاء الحقيقية لهؤلاء الذين اطلق-كولن ولسن-عليهم ب -اللامنتمي-في الكتاب الذي يحمل العنوان ذاته: انهم، في صياغة كهذه، يدينون عالم الرفاه وعالم القوة. فالموضوع عنده، يتخذ عالميته، بحجم التشرد والرد الذي يفكك العظام، ويجعل من الماساة حقيقة مفزعة بالرغم من الكفاح المضاد، فالرسام، بمهارة وقوة وصدق، لا يغامر تشريح جثة المجتمعات التي تسحق الانسان فيها، بل يكرر موضوعه بثقة انطلاقا من احترام عميق ونبيل للفيض الالهي المتمثل بالبشر وحقهم بتنفس الهواء والخبز والكرامة.. هذا الموضوع يختاره مؤيد محسن ويصوره باسلوب سينمائي-فوتوغرافي، في سياق مفهوم الرسم المعاصر. فالفنان لايحدث خللا في هذا المجال، بل يظهر مهارة تقنية على صعيد الخطاب التشكيلي المعاصر، الامر الذي جعل تجربته تتميز، بين تجارب جيله، بالخيال الواقعي، او بواقعية الرمز.. فهو يرسم حالات انسانية اغترابية ذات تاثير حاد، وفي الوقت نفسه،، لايتخلى عن ذاكرته الواقعية: اعمدة الكهرباء والطائرات الورقية.. وارصفة الطرق.. والممرات.. وثمة غابات واسوار وجدران وفضاءات الخ.. انه يصور عالمنا ببشر يحقدون بعيون نائمة،وكان الازمنة تجمعت في صمتها. وقد لخص الفنان بابداع لاحيادي ازمة الانسان عبر وعيه ومنطقه في عصر شائك: السفر الى المجهول، والهواء المقنن، وتبعثر الضمائر..هنا يقدم الفنان تجربة تخص ذاكرة الغد: لا كوثيقة اجتماعية او نفسية، فحسب، بل كاستجابة لنداء الجمال، اي الخطاب المؤجل دائما، والكامن في الخطاب الفني، الامر الذي يجعل تجربته ذات اثر لايمكن ان يكون الا جزءا من الذاكرة: ذاكرة الغد وهي تتفحص مكوناتها في زمنها اللاحق! انه الرسم في درجة الصفر، او درجة الغليان التي توازي، في الاخير، درجة الانجماد.
عادل كامل، عضو رابطة الايكا، جريدة العراق، العدد-5957، 14 شباط 1996

تسعينات الرسم العراقي.. مؤيد محسن.. ارصفة ولا جدوى

ـ1ـ اذا كان صحيحا ان الفن يمتص من الوجود الشيئي مصادر ديمومته، فان واحدة من بواعث خلوده احتفاضه بالجوهري الذي يتشكل عبر تداخل المرجعيات.. فرضية كهذه اذ تصح على الرسم الحديث فانها تتماشى مع فنون الانسان الابعد غورا في التاريخ، فمع الاطوار الاولى للحضارة الرافدينية،شاءت الاحوال ان يعثر الانسان على ضالته في الفن كوسيط تمرر من خلاله المراجع، والمفاهيم والاحلام.. الخ وعن طريقه ايضا نستطيع التشبث من خطيئة الواقع، والعمل على اقتراح بدائل تجعل منه اكثر قربا من الحقيقة مع اننا ندرك كلية ان الحقيقة في الفن ان هي الا قبض ريح، مع هذا فهنا سر تواصليته.. وفي الفن يحدث ان يصور الواقع من زوايا لاحصر لها، الامر الذي يجعل من الشكل متخذا اوجه شتى.. فالعصر يقترح اشكاله والانسن لاتسعه دروب النمل، وباي حال ان الفن انما يمارس ازاحة للعياني باثر التصعيدات الحادثة في الابنية الداخلية له على النحو الذي يجعل منه ندا لايجارى.. مؤيد محسن الرسام الذي اطل علينا من اواسط التسعينات وبمعرضه البكر.. قاعة عبلة.. انما وضعنا عند تخوم اشكالية كهذه لكنه -وهذا امر ذو اهمية- فضل ان يكسو خطابه شكلا بصريا على وفق الطراز الواقعي الجديد، والموشي بالفنطازيا، والرمز، والعلاماتيه مع قدر من الحساسية السينمائية هذا الضرب من الرسم يغوينا حقا على الترحيب به لياخذ مكانه في الاتجاهات التي بدت كما لو انها تتجه صوب صياغات متجانسة مابين التجريد وما حوله. ربما يكون هناك من خاض مخاضات مقاربة ذات يوم من مثل-مزاحم الناصري-و-عبد الامير علوان-الاول في خطاباته التي تقف وسطا بين الاعلان والرسم والمقادة بحرفية عالية، غير انها لاتعول على الخيال كثيرا والثاني في مجهوداته الرامية لتكييف البيئة الشعبية لصالح، رسم ذو ملامح كلاسيكية وبين هذا وذاك ياتي معرض-مؤيد محسن-ليزيح عنا نبرة الياس من جراء مجافاة التعددية في المداخل للرسم والواقع على السواء..
ـ2ـ اعترف ان المصادفة وحدها قادتني الى رسومات مؤيد قبل ذلك لم يكن لدي رصيد من الانطباعات حول رسوماته ولا ريب فهي مصادفة سارة، فانت-منفورك-تجد ان اعماله تذكرنا بالرسم ومن اشد مناطقه حساسية، بالطبع ربما تختلف فيما توصل اليه الفنان عبر صياغاته لمشاهده المقترحة وتوليفاته من مصادر عروض الازياء، ومشكلات ربط الاخيلة بالعصر الذي تحيا فيه.. الخ
مع هذا فالفنان قد استجمع روءاه باتجاه وحدة المشاعر بما يجعل ابطاله يرزحون تحت وطئة الاغتراب والانتظارات التي لاتفضي الى شيء، فالارصفة المهجورة، واعمدة الكهرباء المنغرزة في رؤس ابطاله او عشاقه التعساء انما تمثل دوالا على اللاجدوى والخسارات المتتالية، مع هذا فهذه الثيمة غالبا ما تعكر بسب من ان ابطاله ليس لنا الثقة فيما هم حاملون من مواجع، فهم، وكما يبدو من بيئات باذخة هذا ما اربك مصداقية المشاعر، بما يجعلنا لانثق كثيرا بابطاله.. وكان الاجدى بالفنان ان يكيف عالمه الموضوعي ويعكسه بالحساسية التي يراها مناسبة، وارى ان اشتغاله على اعمدة الكهرباء والعمل على انستها انما يمثل ذروة بحوثه، فهي تتغير على وفق الاخيلة المسيرة لها، فتارة تبدو بلا عشاق تخفق قلوبهم تحت مصابيحها وفي اخرى تستحيل رمزا للانتظار المرير وهلم وجراء.. مع هذا فمؤيد يوائم بين المفاهيمية والشكل الجمالي ويحاول ان لايخسر الخاصيتين، غير ان الذي حصل ان احدهما يتراجع فيما يطغى الاخر عليه، والعكس يصح ايضا، وارى انه تمكن من احالة الخطاب البصري، الى ضرب من المشاهدة السينمائية، فهو يمارس دوره كمنتج اول لتفاصيل مشاهده ويسعى الى وضع نظام بصري مؤثر لها، فتارة يصيب وفي اخرى تطيش سهامه، وفي كل الاحوال فان ما فعله مؤيد محسن فيما لو شدد على حضوره في العروض التشكيلية فسوف يمنحنا فرصة مؤكدة لتذكره مستقبلا.
عاصم عبد الامير، جريدة العراق،العدد-5907- 6 كانون الاول 1995

مؤيد محسن: عالم داخلي نابه

هذا فنان تشكيلي لم نالفه،ولم يالف وجوه جمهور المعارض التشكيلية الذي اعتاد على مشاهدة معارض عديدة لفنانين اكتسبوا حضورهم في معارض اساسية. وهو فنان لايستنسخ الاخرين، ولا يعزف باوتار من سبقه الى العزف. ذلك ان حدود رؤيته احادية، وانتباهه الى فعل الحياة في داخله هي غناه وكل عطائه في لوحة تشد من يراها ويسعى لقراءة ابعادها.. مؤيد محسن اسم جديد في مسار الحركة التشكيلية في العراق، ويمكن الجزم بان هذا الفنان يستطيع ان يخترق جدار الصمت الذي يحيط به، كونه مازال طالبا في معهد الفنون الجميلة، وهذا هو معرضه الثاني الذي تجاهلته الصحافة الفنية وجمهور المعارض، بالرغم من اهميته ودرايته بتفاصيل العمل الفني الذي لايستهلك نفسه.. ولا ياخذ فرشاة الاخرين ليلون بها.
مؤيد محسن موجود في كل لوحة، لابدافع ذاتي نرجسي، ولكن بدافع انساني خلاق يمتلك الاحساس العميق بالتجربة وفعلها وضغوطها عليه.. انه يستنبت وردة حمراء وسط المعركة والشهداء وصخب الاجواء.. لايقحمها وانما يجعلك تمتلك قناعة بان هذه الوردة حقيقية، ووجودها يعبر عن واقع مادي لابد ان يحيا.. وفي لوحة اخرى يكون العازف الوحيد الذي صار كمانه جزءا منه واوتاره تربط اوصاله كانسان، انها عملية موحدة بين الانسان الشاعر والشارع وفنه والضوء المنكسر الذي يرثي حالة الاسى العميقة لفنان قطع الزمن ابداعه.. وعند النافذة يعلق قميصه للريح، وفي ذهن امراءة لاتمتلك شرط احتواء الانسان.. الانسان صاحب القميص، فهي لاتراه، وليس بامكانه الحنو عليه كونها بلا ذراعين.. هنا قيمة لمعنى الاحباط والخيبة، بينما نطمح اليه وما نستطيع انجازه.. ويتحول الرقص في لوحة ثالثة الى نوع من التمرد على الداخل او التعبير الحركي عن فاعلية الداخل هذا.. لوحات تبهر مشاهدها، وتجعله يقف عندها متاملا، باحثا عن هوية مبدعها، وثراء الفنان الذهني الذي يقف وراء الوانها.. مؤيد محسن.. نموذج لفنان يشق دربه بكثير من نباهة المبدع، وصدقه وابتكاره، ونموذج ينحت اصالته وخصوصيته، ودافعه الاساس فنه.. الذي لايمتلك غيره.. وليس بامكانه ان يحقق وينجز سوى هذا الداخل العميق الذي يعتمل فيه ثم يطفح ويتنفس ونقراء وجوده في لوحات عميقة الدلالة.. مؤيد محسن.. اكتشاف لفنان حقيقي يستطيع ان يصمد بفنه، وان يحقق حضوره عبر رؤية تتجدد ويكون لها تماس بالعذاب الانساني الذي يتحول الى فعل ابداعي جديد.. سنراه بالتاكيد، وسنتفق او نختلف مع اعماله، لكننا يالتاكيد ايضا سنشترك في ان مؤيد محسن فنا يشق دربه المبدع بوعي اصيل ونباهة خلاقة.
حسب الله يحيى، مجلة فنون، العدد:245 الاثنين 25 حزيران 1984