Tuesday, May 31, 2005

مؤيد محسن، بين قصدية الفن ودلالات رموزه

تلاحق الفن في العصر الحديث الكثير من الاسئلة والشكوك حول ماهيته الحقيقية، وهل بقي محافظا على قيمته الوجودية والروحية والتاريخية يوم كان مشتركا مع المنطق واليات العلوم المختلفة في سبر اغوار الكون وهتك حجب المجهول واضاءة دلالته؟ لكن وظيفة الفن ومنه الفن التشكيلي قد اختلفت فلم تعد الخطوط ولا الكلمات قادرة على اقتغاء خطوات العلم الحديث في عصر التقنية هذا فقد غيرت الثورة العلمية التكنلوجية اليات التفكير الحديثة واستبدلت مناهج المنطق الفلسفية وحيرة الفن وتشككه بطرائق تحليلية تعتمد على تفكيك المواد والظواهر الطبيعية والكونية الى مكوناتها الاساسية لاغية بذلك الطابع الشمولي والعام الذي تبحث به كل من الفلسفة والفن وهذا ما ادى بالفن ان ينحو منحى جماليا وبالتالي اسقطت عنه كثيرا من الوظائف الفكرية والانشغالات الوجدانية ليحشر في خانة المتع البصرية المبهرجة بالالوان والخطوط المفبركة فقد عندها الانسان دعامة روحية وركيزة معرفية فمالت نتيجتهما بوصلته الروحية نحو الجشع والانا والعدوانية.. ان ما يمنح الفنون عامة والفن التشكيلي خاصة العبور الى عصر التقنية هذا القدرة الفائقة على الادهاش والمهارة العالية في توفير المتعة البصرية والحسية والفكرية ليتمكن من سحب المتلقي او الناظر من بذخ المنعشات الحسية والبصرية وحتى القيم والافكار العصرية الجاهزة وكلها مبثوثة اليه بتوجيه وبقصدية مفرطتين ومن بؤر، حداثوية، وعولمية، مفاتيح فكرية جاهزة مقدمة على طبق التقنية ومعلوماتها الذهبية.. ما يحتاجه الفن كجواز مرور الى العصر الحديث عالما من السحر لاتطاله يد العلم والتقنية وان وصلتا اليه فستكونان مطية نحو عالمه المجنون والمتخيل.. والفنان مؤيد محسن قد وعى هذه الحقيقة وابتكر عالمه الخاص.. عالم مشيد بالهموم والالام على مقاسه ومستوعبا لذاته واحلامه.. عالم مقتطع من واقع مرير لايجد، مؤيد، واقرانه من المنبوذين مواطيء اقدام فيه، هربوا بجلودهم منه متوهمين ان عالمهم الجديد، المتخيل، سيكون ملاذا، امنا، يحميهم من استبداد الالة وانياب المال.. لقد بنى، مؤيد محسن، عالمه هذا من مخلفات العوالم القديمة وبقايا الاساطيرلا والموروث من الافكار والقيم المتوارثة كما استعار بعضا من هموم ابناء واقعه المعاش وبعضا من صرعات وجود فنتازي وركاما من الالام، لاتحصى، لحملها المصائر في كمها ونوعها.. ان ما يشد في اعمال الفنان، مؤيد محسن، ويوفر فيها القدرة على الادهاش والمتعة البصرية مهارة الفنان الفائقة في التخطيط والتجسيد الدقيق لغصون المحنة فهو يقتفي اثارها حين تسري في الجسد، تحت الجلد وحين يشع بريقها في العيون المنطفئة وفي الرؤوس المنسية ذوابات املها.. كما ان معظم اعماله تبتدا بسطح لوحة تفترشه قصيدة الفنان ودلالات رموزه لكن للوحاته بعد اخر يتجسد في عمق اللوحة، خفي فيها، يستدرج الناظر اليه ووراء هذا البعد بعد اخر واللوحة لن تنتهي بقرار او قاع تركن اليه، تشعرك بان هناك شيئا مفقودا او سرة يجب الاهتداء اليها مما يرغب الناظر، المتامل بعمق ان يقلب اللوحة والنظر ورائها لمعرفة ما تخفي من معاني مستترة اضافية تكمل ما ابتداه الفنان من قصيدة مفضوحة وشجاعة منقطعة النظير في الاشارة الى بؤر الخراب واسمائها وقد تساعده على ان تطفيء حريته، فالسكك تنحرف في اللوحات بزوايا قائمة والطرق المستقيمة تقطعها الاشارة الحمراء وتسود نهاياتها والدروب الملتوية لايعرف احد تنتهي الى اين.. تبقى الوحدة شعار، مؤيد محسن، وتبقى نظراته ملتاعة لاتعرف الركون او الاستقرار فهو منبوذ من الواقع الحالي-عالم التقنية والمال-ومنبوذ من العالم الذي بناه بخطوطه والوانه ومن جذا ذات روحه وسياط افكاره وقد تقوده هذه الوحدة الى العدمية فلا حقيقة توجد لا من قبل ولا من بعد والمتاهة تلف كل شيء وهذا يبدو جليا في كل اللوحات حيث لاافاق، لانقطة تدل على النهاية.. وةيبقى السؤال، هل تبقى لوحات الفنا، مؤيد محسن، شاهدة على العصر بكل مافيه من تناقضات واعاصير وافاق ضبابية؟ وهل يبقى الفن التشكيلي شموليا في نظرته كالفلسفة ام سيلفظهما العلم ويخرجهما من ساحة الوجود الانساني؟ هذه الاسئلة وغيرها قد تدفع بالفنان، مؤيد محسن، وبغيره من الفنانين ان يبتكروا خطوطا جديدة والوانا خاصة وةرؤى وافكار لاتبلى او يرمون بكل شيء وراء ظهورهم، حيث تمحى كلمة الفن التشكيلي من قاموس المعرفة الانسانية..
سلام حربة، جريدة المؤتمر، العدد 364، السبت، 29 تموز، 2003، 30 جمادي الاولى 1424

1 comment:

Unknown said...

على ثرى بابل قصة عشق لاتنتهي .. الشاهد اسد بابل ..