Tuesday, May 31, 2005

مؤيد محسن: يرسم افضل من الكاميرا مرتين.. البابلي الذي ادرك حدس اشور

هذا الفتى البابلي يثيرني ابدا..فمنذ عرفته، والف علامة سؤال تطن في راسي، مثل ذبابة لجوج.. لماذا يقدم على كسر مانراه ايقونا، قابلا لان يخلد.. هل هو مثل (اندريه بريتون) يسعى الى تهشيم كل امثولة، نابذا فيها امجاد الاسلاف، وماثر الاخلاف؟ هل يريد تمجيد فضائل اللاعقلانية، مدونا كل شيء اثناء نزهة العقل؟ هل هو سليل الدادائية التي ولت دون تعميد، وشيعت الى مثواها دون تابين؟ لكنه يمقت دالي، ويلعن السوريالية والسرياليين ويسب، دوشامب في وضح النهار وينفي ان تكون له صلة بالدادائية من قريب او بعيد وهو يفر من الكلاسيكية التي اسسها (انجلو ودوناتيلو، وليوناردو، ورفائيل) ويضيق ذرعا بتبجيلها للمثال، ولايعير للنسب الذهبية عينا صاغية! لماذا -اذن- تسيل اشياءه الباذخة وتتحول كائناته الادمية وتكويناته البشرية الى طين بلا روح وتماثيل بلا حركة؟ كان على رؤوسها طيور الماء؟ لماذا يقف الثور المجنح بهذه الفخامة القسرية التي تلزم الزائر الداخل الى خرسباد ان يقر بسطوتها على حوض الدنيا، الذي يمتد من عيلام الى شرق النيل؟ اسد بابل ذو السطوة الماحقة يربض منذ فجر الابدية وشروق الابجدية وعدوه تحت جثته الضخمة ميت بلا حراك متسلم لمصيره المحتوم.. حجر السيتانيت الصلد، والكرانيت العتيد، جعلهما هذا الحلي الذي يرسم رؤاه، جعلهما غير المحكومة بمنطق او نظام جعلهما يسيلان كانما سلطت عليهما شهب جهنمية فلم يذوبا تماما، وانما اوقعت باجسادهما خروقا زلزالية لكن التماسك ورباطة الجاش الحجرية ظلت تشعرك برعدة تسري في اوصالك هذا الفتى الذي لاينام لافي ليل ولا قيلولة يرسم احلام يقظته المهيمنة..
هل هي كوابيس ام هواجس فنتازية.. احشاء الغيوم كانها قطن مندوف تتكوى وتندفع كان الريح هي التي تلقنها بالهزيمة الافق البعيدة يوميء ان النمرود غير قادر على ان يبلغ حافة السماء الدنيا انه دائما يتلقى تلك الصاعقة التي تماثل تلك النجوم التي اعدت من السماء الوسطى لرجم الشيطان.. النهايات الشاهقة تحمل تلك القباب المخروطية ذات المقرنصات التي لاتراها الا في معبد الشمس في الكفل.. سكة قطار تفضي الى المجهول وكرسي منكفيء دائما وحجارة..
قلت لمؤيد (مواليد 1964) لماذا الاشياء عندك دائما ذائبة؟!! سالته والحرب تدق الابواب وكل الفضائيات تؤكد ان هذه الحرب (لايمكن تفاديها). في شارع السعدون حيث تتحاشد المطابع التي تنفث رائحة الحبر والحرب التي تفوح من الازقة وصدور الصفحات الاولى هناك عند مفترق طرق في البتاوين حيث يباع العرق المعتق على قارعة الطريق تحدث لي مؤيد محسن بلسان طفل على حافة الخدمة الالزامية (.. كان العريف يعاقبني كلما اشتهى ان يشعر بالسطوة في غياب الضابط، ذي النجمة الواحدة، بان اقف في حالة استعداد وانا اقرع حليق حاسر الراس الى درجة الصفر منزوع النطاق، كنت احس ان هامتي تنصهر في اب، اغسطس، يسيل كل شيء وهو هازيء متبطر في ظل سمين تذوب البنايات ويتقازم النخل وتنهار قامات التماثيل وتضمحل في خاطري المثل العليا. يغيب عن ذهني الامر الذي امرني ان ارسم صورته ببزته العسكرية وقد رقي الى رتبة اعلى. في معركة لم يشترك فيها ولم يشتبك فيها مع احد كلما اغمضت عيني اجد لعاب التاريخ يسل يذوب الثور المجنح، ويذوي اسد بابل وتتهشم قيثارة اور ويسقط العريف في وحل الظهيرة.. وابقى انا محكوما علي بالوقوف في حالة استعداد.. ربما اخطات القنابل مؤيد ربما هو حي يرزق يتلذذ بحياة ثانية كتبت له وقضت على من يحبهم بالموت.. ربما يرسم الان من جديد.. تلك الصور التي احللها وافككها واعيد تركيبها على هواي وهو يصدر في الحلة والزمان في لندن. محاولا ان يرمم تلك الاثار التي هشمها سعيدا، لاه، غير عابيء بمقاضاة التاريخ لاجله. قلت لمؤيد: الذي اعتقد انه مايزال حيا على الرغم من كرهه، للحرب والعريف ورئيس عرفاء الوحدة وضابط التجنيد الذي ساقه واقرانه الى لبس الخاكي وقال له الى الوراء در..!
مؤيد: ماذا لو وقعت قنبلة ذكية على المتحف العراقي او سطت عليه عصابة عصية حتى على الانتربول؟!.. قال قبل ان تخطفه سيارة الكيا الذاهبة في الظلام الى الحلة.. ساشرب سما.. واموت هل يملك مؤيد.. حدس اشور؟!!
مجيد السامرائي، جريدة الزمان، العدد-1519، السنة السادسة، الاحد 1 ربيع الثاني 1424، 1 حزيران (يوليو) 2003

1 comment:

Unknown said...

استقراء للزمكان الاشوري وقلب ملتصق بالتاريخ ذوبان الالهة الانوناكي في جسد مؤيد محسن لله درك ايها البابلي النبيل ..