Tuesday, May 31, 2005

الفنان مؤيد محسن العزف على اوتار الزمن

لايستطيع من يتطلع الى احدى لوحات الفنان المبدع مؤيد محسن ان يشيح ببصره عنها بسهولة، ذلك انها تمتلك قدرة هائلة في التأثير على المتلقي وتحتوي على عناصر جذب تجعله يبحث في ثناياها عن اجوبة لاسئلة تدور في خلده.
فالزمن -ذلك العنصر الغامض في مسيرة الحياة- حاضر في اللوحة، مجسدا من خلال استخدام الشخوص الحضارية لمراحل مختلفة من تاريخ العراق، والتعبير عنه بآثاره او بالبدائل الدالة عليه (كسكة الحديد مثلا). وماهية الزمن سؤال مطروح باستمرار، والاجابة عنه قد تكون بالغة التعقيد، غير ان تعبير الفنان عنه يجعلها اجابة واضحة بسيطة.. العمر ينقضي، ذلك هو الزمن، والحضارات تنسلخ وتتوارث في مسيرة التغيير الابدية، والشخوص الحجرية تعلن توقف الزمن، بينما تحاور الالة الموسيقية ضريحا لعبد صالح، في اطار لحظي ينساب خلال عصور عديدة.
ان هموم حضارات وادي الرافدين تكاد تنصب في هموم المواطن المعاصر، لذلك نرى في لوحات عديدة حضور الرموز الحضارية، من تماثيل وابنية، كبديل للانسان العراقي، وكتعبير عن ذلك التواصل التاريخي الذي لايزال مستمرا لشعب العراق، والذي يجعله محط انظار واحترام العالم اجمع.
ففي لوحة (احتضار كوديا) نجد تمثالا للملك السومري العادل (كوديا) وقد انتصب على خط للسكة الحديدية، التي تنعطف من عمق اللوحة وهي تمر خلال ارض جرداء بينما تناثر حطام من التمثال بالقرب منه، وحدث فيه تصدع (رغم ان التمثال الاصلي هو من حجر الديوريت شديد الصلابة)، وهنا تعبير عن عمل الزمن في الاشياء، فهي مهما تكن صلبة فانها ستتحطم وتتصدع وتذوب كما لو كانت من الشمع. وبينما تكفهر السماء وتتلبد بالغيوم، يسلط الفنان ضوءا من جانب اللوحة على التمثال، مبرزا بقوة عنصر اللوحة الرئيس، ومؤكدا قدرته المميزة على تصوير الضوء والظل. وعلى رأس الملك السومري تقف حمامة بيضاء، رمزا للسلام الذي يؤكد عليه الفنان، ومبينا في الوقت نفسه توقف الحركة بالنسبة الى التمثال. فالملك العظيم، لايستطيع ان يزيح عنه تلك الحمامة التي تبدو اكثر قدرة منه في الوقت الراهن. وفي عمق اللوحة، وعلى مرتفع، تظهر قبة مخروطية، من عصور اسلامية متأخرة، لتستحضر تاريخا مغايرا، وتعبيرا عن الحركة اللامتناهية لعجلة الزمن، وربما افضلية الحضارة الاسلامية.
وفي لوحة اخرى اطلق عليها الفنان (مكان تحاصره الاحزان)، نرى مشهدا داخليا لبيت معاصر، واول ما يقع عليه البصر تلك الصورة الحزينة لامرأة تداعب طفلا معلقة على الجدار، وقد وشحت بشريط اسود في زاويتها، فنستنتج مباشرة مأساة موت الام والطفلة، بينما رقد رب الاسرة المنكوب قرب الصورة، وقد استبدله الفنان بتمثال شهير من حضارة وادي الرافدين، ووقفت حمامة السلام على قاعدته، تعبيرا -مرة اخرى- عن سكون الزمن وفقدان القدرة، والاستسلام لحتمية قاتمة. وهناك صندوق في وسط اللوحة ربما للايحاء بصندوق للذكريات طالما فتحه المنكوب متحسرا، بينما يمكن تفسير المعول في الجهة المقابلة للصندوق على انه اداة الدفن، او اداة البناء في آن، فهو مفتاح للخروج من تلك الازمة الكئيبة التي تطرحها اللوحة. غير ان جو اللوحة العام ليس حزينا، فالنور يسطع من الباب الجانبية، والسماء زرقاء مزينة ببعض الغيوم كما تبدو من نافذة الغرفة.. وهذا ماخلق توازنا في اللوحة يبين قدرة الفنان على مداراة احاسيس المتلقي بحيث لايسبب لديه ازمة نفسية وهو يطرح موضوعه.. جدلية الحياة والموت.
ان لوحات الفنان مؤيد محسن، لوحات مبدع عراقي بابلي مخلص لحضارته وتاريخه، ونفس باحثة في ثنايا الاشياء عن القيم العليا في مسيرة الانسانية، وانامل رقيقة تجيد العزف الممتع/ الخطر على اوتار الزمن.
علاء غزالة، جريدة الجنائن، العدد 142 الاثنين 10 آذار 2003

2 comments:

Unknown said...

من اروع ماشاهدت

Unknown said...

اورنموا يرثي زوجته وطفله