Monday, May 30, 2005

في تجارب مؤيد محسن

قبل حوالي عام مضى كان، مؤيد محسن.. قد اطلعني على عدد من لوحاته، ورغم اني شعرت بالكابة امام تلك اللوحات التي كانت اجواوءها اللونية على عكس روحه المرحة والمليئة بالخفة، فاني وجدتني مرتاحا لما وجدته فيها من التباين الفني والتضاد وافاق من التناقض، ذلك التناقض الذي يوحي بشيء شبيه بالاحلام وبعالم تملؤه الرموز والتعابير التي تبعثه على التامل. وشاءت الصدفة بعد ذلك، ان اطلع على عدد اكبر من لوحاته فوجدتني امام عالم يتميز لاول وهلة باسلوبه الفني الواقعي الذي يتغلغل من خلاله نحو التعبير عن عالم غريب يقترب من عالم السريالية-فوق الواقعية-ويسير في منطلق الوجود واللاوجود في وقت واحد.. والتكوين في تلك اللوحات يعكس السالب والموجب في ان واحد فهو الجواب اولا وهو السؤال الذي لايغفل عنه الفنان، مؤيد محسن.. يدخل الى لوحته من باب التذكر الاستعادي للحضارات الرافدينية القديمة لكنه رغم معالجته بذلك الطابع الاكاديمي، فانه يبدع تكوينات تعبر عن مضامين تنعمق في منطلقات الزمن وتذهب شرق وغرب في حيثيات الحضارات الموغلة في حسها الانساني.. وهو يدخل حينا عالم الحضارات السومرية فيتسربل بعالم الوركاء وكلكامش حيث يتكثف الرمز والغرابة، ثم يعود الى اور ولجش ونفر وينقلب الى نمرود وبابل واشور ونينوى، ويتخذ من كل هذه العوالم ذات الصفات الاصيلة عبرا ورموزا يعالجها بنظرة الانسان المعاصر، ولكنه يعالجها بطريقته الخاصة مهتما قبل كل شيء بالناحية الدرامية والماساوية التي اظنها تملاء وجوده هو، حيث يحاول وضع المفهوم الانساني على مستوى القيم التي تستفيد من الحقيقة التاريخية ثم يمزج العصور ويرتب مسيرته متنقلا بين كلكامش وعشتار ودودو وكوديا وحمورابي ويصعد الى قمم الزقورات وابراج المعابد ليكتشف زوايا تلك الايام الحالمات ويصلي في معابدها ويتحاور مع كهنتها وتارة يجالس ملوكها والهتها وتارة يسامر عابري السبيل في دروبهم، وغايته في كل هذا، الوصول الى التعبير عن جوهر الحياة والى معنى الوجود حاله حال كلكامش.. في غربته بين الخير والشر والحياة والموت وكانه في مسيرته عبر لوحاته يذهب الى مختلف منعطفات الحياة والتاريخ يسبر غورها ويكتشف الغازها وياخذ منها ويعطيها من عنده اشياء واشياء محافظا على تقنية تقتدي بالاسلوب الكلاسيكي وتترسم الواقع تاركا فلسفة الظل والضياء تتحكم بالتعبير حين تعطي للمعاني معكوسيتها.. يعجبني في اعمال مؤيد محسن الدقة والامعان فيها بحيث يمكننا عدها عنصرا مميزا فيها. وهكذا يجتمع في لوحاته الى جانب مضمون ذي الطابع الغريب، عناصر اخرى تستلهم التقاليد الاجتماعية والقيم الروحية وان ظل هذا الفنان على قوالبه ورؤيته الاكاديمية للاشياء فان ذلك يتناسب كل التناسب مع فكره ومواضيعه.
الفنا الراحل، جميل حمودي، جريدة العراق، العدد-6943، الخميس 9 كانون الاول 1999

1 comment:

Unknown said...

حضن نينسون وهي ترضع صغيرها كلكامش .الوركاء