Tuesday, May 31, 2005

التشكيلي مؤيد محسن: عمري خمسة الاف سنة ويزيد

الرحلة داخل فنان تشكيلي هي في الحقيقة رحلة في اعماق الحضارة العراقية حيث النشاة وبزوغ فجر المعرفة الانساتية، المعرفة التي خصها الله سبحانه ويعالى شعب هذه الارض من بين الشعوب الاخرى، والتي ظلت تنمو وتكبر وتتجدد عبر العصور والعصور حتى انتشى ابن الرافدين بزهو المدنية المبكرة واصبح رائد اشعاعها.. فان عمري وعمرك واعمارنا جميعا، تمتد بطول سنينها وعمق ثرائها المعرفي الى الحقب الغنية الاولى وتجد حين يشعل احدهم شرارة الاختبار فيك كيف تنفجر له الينابيع الوانا من خزين العقل والذاكرة..
رسومات التشكيلي الخلاق، مؤيد محسن، غبر في اسوار الحضارة والمعاصرة، تحمل في خصوصيتها نكهة ارض العراق الطيبة المعطاء.. مؤيد محسن.. فنان تشكيلي عراقي (عالمي) واعتقد ان هذه النماذج القليلة من لوحاته تبصم على ذلك وتشهد.. مع ذلك شعرت بان هذا الفنان لم ينل نصيبا من الاهتمام الاعلامي كما يستحقه وفنه.. ومن هتا قررت ان يكون هذا الحوار بمنزلة (رحلة توثيقية) لمسيرته التي بدات مع الطفولة والصبا ومازالت تكبر بمرور الوقت..
قلت له: لنعد الى البدايات الفطرية، فماذا تتذكر منها؟
-في الطفولة كان يثيرني موضوع اللون والشكل بطريقة لم اكن ادرك مكنوناتها بعلمية، المواد الموجودة في الطبيعة، الحجارة، اللون، السماء، الملمس الموجود في الحياة كان يخترقني بقوة. كنت بعمر (6) سنوات تقريبا، كان هناك سؤال يكبر في داخلي.. الزمن وضوء الشمس اين يختفيان؟ ولماذا ياتي الظلام ويختفي العالم فيه؟ هذا التشكيل الذي يتكون في السماء من اين ياتي؟ والالوان التي تتشكل عند المغيب..؟ هذه الاسئلة وغيرها قادتني، بفطرية،للبحث والتفكير عن الضوء والظل والاشكال والالوان..
وكيف كانت الاستجابة؟
-ان اترجم هذه الاشياء الى ثوابت على الورق من دون ان ادرك الموازنة، بدات عملية البحث في اللون والخامات المتيسرة ووسائل التلوين وبالتواصل قادني الى ان اخلق مع نفسي موازنة غير مقصودة بين الاشكال والالوان والسطوح بتاثير موجودات البيئة).. حين ذاك كنت استمع الى قصص وحكايات عن الكبار من التراث الشعبي، حاولت وانا في ذلك السن ان اعبر عن هذه الحكايات باللون والشكل كما تعلمتها من البيئة المتواضعة.. هذا الاصرار الفطري عن ماذا افرزفي مرحلتها؟
-افرزت عن مواهب طفل يكبر مع السنين، بدات اشارك بجراة في معارض عن طريق وزارة الشباب، حين ذاك، واذكر اول مشاركة لي في احتفال الشبيبة العالمي الذي اقيم في لايبزك عام 1978 بعدها دخلت معهد الفنون الجميلة فرع الرسم..
اذن بدات نقطة التحول الاولى في حياتك الفنية؟
-نعم، والى حد الان اعد (المعهد) عائلتي الفنية، المعهد علمنا، اخلاق الفن قبل الفن نفسه وعلمنا الاخلاص في العمل، كنا شغوفين في البحث، اضافة الى ذلك ان اجواء المعهد كانت تدفعنا الى الدراسة والبحث ومن ثم تحقيق النتائج الطيبة..
المدركات الجديدة ماذا احدثت من تغييرات على المستوى الفكري والمعرفي؟
-ادركت وانا ادرس تاريخ الفن ومع تزايد المعلومات انني انتمي الى مدينة رائعة حقا وهي بابل وكما سميتها انا (الحلة حاضرة المدن) حينها ادركت ان عمري (5) الاف سنة ويزيد.. هذا الشعور حقق لي اطمئنانا داخليا بانني لااخلو من جذور تاريخية فنيا ومن هنا بدات بتقديم اعمال فنية تحمل هوية الانتماء للمكان، وهو امر ضروري للوحة الفنية، من خلال استعادتي للموروث الذي خلفه الاجداد والذي ملا متاحف العالم.. وهذا ما يدفعني ايضا الى الاحساس بالفخر عندما اقف امام اي فنان اجنبي ياتي الى العراق واخبره بان عمري (5) الاف سنة، فيشعر بهيبة كبيرة وخجل.. ويضيف مؤيد: الامر الثاني، انني في سنين الدراسة وانا زميل المسرحيين والسينمائيين كان لزاما علي قراءة النص المسرحي حتى اصمم له (الديكور)وهذا ما زاد من اطلاعي على انواع المعرفة الفكرية دتخل النص المسرحي وبالتالي دفعني الى البحث عن عملية تحويل الدلالة الفكرية في النص الى عينة بصرية ملموسة تمتلك دلالاتها على المسرح، وهكذا تحصنت لدي فكرة الموضوع داخل اللوحة.. وان اؤمن بحكمة (ان اللوحة الجميلة الخالية من الموضوع-كما امراة حسناء لكنها مجنونة او خالية من الفكر)..ويستطرد الفنان: نعم الجمال المحض هو حصيلة دراسية تتمتع باحساس عال، لكن العمل الفني لابد ان يحدث تاثيرا في المتلقي يشعره (بالتطهير)، كما هو شان العمل المسرحي والسينمائي..
ذكرت التطهير عبر اللوحة الفنية، هي حالة شائعة في الدراما.. فكيف يمكن للوحة ان تحدث التاثير نفسه عند المتلقي؟
-اللون يقود المتلقي الى اللوحة ثم يرتقي به الى الاحساس والانسجام مع الاعمال الموجودة داخل العمل الفني، والالوان تقوده الى الشكل والدلالة الفكرية، فيبدا الحوار الداخلي مع نفسه او مع الناقد من خلال حوار تتم عملية ايصال داخل اللوحة، اي ان الحوار يعمل على تقصي الحقائق العادلة فيتحلى بها اذا كان راجح الفكر.. ماهو صدى وتاثير لوحاتك الفنية في الاخرين؟
-لااغالي اذا قلت، ان المتلقي شغوف دائما الى ان يرى اعمالي ويكرر سؤاله عن الجديد.. وهذا الامر يعود الى المشاركات المستمرة، ليس في العراق فحسب بل في معارض عديدة خارج العراق.. لقد بدات اهتم بتجربتي التي مازالت حتى الان مدار للبحث وليست هي خلاصات تامة، اي ان موضوع النتائج لاينتهي ابدا، فالفنان يجد نفسه يوميا امام مشكلى ادائية جديدة في البحث والتكوين وطرح الموضوع
مامدى معرفة الناس بفنك؟
-يعرفني كل الناس وخصوصا المتذوقين للفن التشكيلي، كما كما يعرفون اعمالي ويحبونها، ولكن الصحافة، لربما لاتعرفني جيدا..!!
اسلوبك.. الى اية مدرسة فنية ينتمي؟
-انا عمل ضمن المدرسة الواقعية السحرية المعاصرة، درست اللون والشكل من خلال المدرسة الكلاسيكية واعمالها المشهورة ولايمكن ان استفاد من غير المدرسة الكلاسيكية لانها ليست بسيطة اطلاقا كما يدعي بعض المشتغلين حيث حاولوا ان يحرفوا الاشكال ويعيدوا صياغتها بطريقة غير خاضعة لقوانين علمية روحية)..ويضيف مؤيد: شخصيا لاانسى تاثير اساتذتي في تكوين شخصيتي، اما بالنسبة للفنانين العالمين فقد تاثرت باسلوب الفنان (ماغريت) الفرنسي الشهير و(ريمبرانت) لكنني اكرر انني لاابدا من حيث ينتهي الاخرين!
مالذي يشغلك في اللوحة!
-الصدق في العمل الفني والاعتماد على النفس في البحث واستلهام عينات فكرية وعلاماتية جديدة لاتنتمي الى الاخرين بل تنتمي الي
! تشتغل في منطقة تاريخية من دون المعاصرة، لماذا؟!
-اعتمد التاريخ لانه واسع جدا ويتمتع بمكنونات لاتنتهي وان ما موجود في الاساطير القديمة والاحداث التاريخية موجود ومعاصر لكن تتغير مساراته وفي الوقت الحاضر هناك احداث تشبه تلك الاساطير او قريبة منها، فاجمع ما بين الماضي والحاضر وعليه يتبلور لدي خطاب فني ولكن من طراز ذاتي احرص على ان يكون غير مالوف..
سيف الدين سلبي، مجلة الف باء، العدد، 1769، السنة الخامسة والثلاثون، الاربعاء 13 جمادي الاخرة-21 اب 2002

1 comment:

Unknown said...

استقراء الماضي بعين الحاضر .. مؤيد المسماري ..